بين الحقيقة والاتهام لماذا يتأخر القضاء اليمني في انجاز القضايا

يمنات
يتردد السؤال في أوساط المجتمع اليمني، على ألسنة المواطنين والبسطاء، كما في أحاديث النخبة والمتابعين للشأن العام: لماذا لا تُفصل القضايا في محاكم اليمن في مدد زمنية معقولة، كما هو الحال في عدد من الدول العربية والأجنبية؟ ولماذا تبقى قضايا الورث والأراضي والإيجارات معلقةً لعقود، بل أحيانًا لعدة أجيال؟
إنه سؤال مشروع، نابع من حرقة الواقع، لكنه — في كثير من الأحيان — يُطرح بشكلٍ تجريدي أو عاطفي، دون الاطلاع على حقيقة ما يعيشه القضاء اليمني من واقع مؤلم ومعقد، وظروف خارجة عن إرادة القاضي، بل عن إرادة العدالة نفسها.
ومن هنا، وحرصًا على توعية الرأي العام، ووضع النقاط على الحروف بعيدًا عن التبرير أو التهوين أو جلد الذات، نعرض أبرز الحقائق التالية:
أولًا: عبء مهول على كاهل القاضي في بيئة شبه منعدمة الإمكانيات..
القاضي اليمني يُطلب منه أن يُنجز وحده ما يُنجزه عشرة أو عشرون قاضيًا في دول أخرى.
يعمل القاضي دون مساعد قضائي، ودون سكرتارية كافية، ودون أجهزة حاسوب أو شبكة إلكترونية، وغالبًا في مبانٍ مهترئة أو مدمرة جزئيًا، ومنقطعة الخدمات.
هو قاضٍ ومحضر ومحلل إداري وطرف وحيد في منظومة كان يفترض أن تكون متكاملة.
ثانيًا: نقص كارثي في الكادر القضائي والإداري
في كثير من المحاكم اليمنية، لا يوجد سوى قاضٍ واحد ينظر في آلاف القضايا سنويًا، بمعدل استهلاكي يُرهقه ذهنيًا وبدنيًا، بل ويؤثر على جودة الأحكام.
أمين سر واحد مكلف بتحرير ونسخ وتوثيق مئات القرارات أسبوعيًا.
مُعلن قضائي وحيد يتكفل بإيصال المذكرات القانونية إلى مناطق نائية بلا وسيلة نقل أو مصروفات.
النتيجة: بطء إجرائي ناتج عن اختناق وظيفي، لا عن تقاعس أو فساد.
ثالثًا: غياب شبه تام للنفقات التشغيلية
كيف لمحكمة أن تعمل دون ميزانية؟ دون ورق؟ دون أحبار؟ دون وقود؟
كثير من موظفي المحاكم يشترون أدوات عملهم من رواتبهم المتواضعة، وبعضهم يطبع أو يصوّر من هاتفه المحمول، في مهزلة إدارية لا تليق بهيبة القضاء.
العدالة لا يمكن أن تُدار بالمجّان، ولا أن تُطالب بالإنتاج في
ارسال الخبر الى: