بين الحرية الفردية والانتماء إلى الجماعة

53 مشاهدة

يُعدّ مبدأ الكل يفعل أحد أكثر المبادئ حضورًا في السلوك الإنساني عبر التاريخ، رغم أنّه نادرًا ما يُعلن بصراحة. إنّه ذلك الميل العميق لدى الفرد لاتباع ما يفعله الآخرون، لا لأنّ ما يفعلونه صائب أو مُفيد بالضرورة، بل لأنّ الجماعة فعلت، ولأنّ مخالفتها تبدو مخاطرة. وهكذا يتحوّل فعل الغالبية إلى معيار خفي للسلوك، يتجاوز المنطق للأعراف، ويتغلّب أحيانًا على الأخلاق نفسها.

يبدو هذا المبدأ بسيطًا على السطح، لكنّه في جوهره يحمل أسئلة فلسفية معقّدة: لماذا نتبع الآخرين؟ وهل الكثرة تمنح الفعل قيمته؟ وهل يمكن للإنسان أن يكون حرًّا في مجتمع يحكمه منطق التقليد والتشابه؟

أولًا: جاذبية الجماعة وأصل المبدأ

إنّ الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، يبحث عن الأمان في وجوده ضمن مجموعة. وقد أدرك الفلاسفة منذ القديم أنّ الإنسان يخشى العزلة أكثر من الخطأ؛ فالانتماء إلى الجماعة يمنح الإنسان إحساسًا بالأمان، حتى حين تمضي الجماعة نحو مسار لا يتسم بالحكمة.

يقول نيتشه ساخرًا من هذا السلوك: لا شيء أكثر رعبًا من أن تكون على حق معزولًا عن بقية العالم. وهذا القول يكشف الحقيقة التالية: أن يكون الفرد مُخطئًا مع الجماعة أسهل عليه من أن يكون مُحقًّا بمفرده.

أن يكون الفرد مخطئًا مع الجماعة أسهل عليه من أن يكون مُحقًّا بمفرده

من هنا ينبع مبدأ الكل يفعل، ليس من قوّة المنطق، بل من ضعف الفرد أمام الجماعة. إنّ الفرد يميل إلى السلوك الجمعي، ليس لأنّ الجماعة دائمًا على صواب، بل لأنّ الالتزام الجماعي يخفّف من شعور الخطر النفسي والاختلاف الاجتماعي.

ثانيًا: خطر تحويل الكثرة إلى حجّة

الفلسفة تُحذّر من خلط الكمّ بالكيف. فالانتشار لا يعني الصواب، وكثرة الممارسات لا تمنحها قيمة. ومع ذلك، كثيرًا ما يَستبدل الإنسان التفكير النقدي بالتقليد، فنرى: آراء تنتشر، لا لأنّها صحيحة، بل لأنّ أصحابها كُثر. وعادات تستمرّ لا لأنها نافعة، بل لأنّ من يُخالفها يُعاقَب اجتماعيًا. وسلوكيات تُمارس يوميًا لا لأنها واعية، بل لأنها عادة.

الانتشار لا يعني الصواب، وكثرة الممارسات لا تمنحها قيمة

وهنا تظهر المغالطة

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح