الحرب المؤجلة فنزويلا والسباق الأميركي
يشهد النظام الدولي منذ العقدين الأخيرين تحوّلات بنيوية عميقة تتجاوز في دلالاتها السياق التقليدي لتوازنات ما بعد الحرب الباردة، فالولايات المتحدة، التي انفردت بقيادة العالم منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، تواجه اليوم تحديات استراتيجية غير مسبوقة، تتزامن مع انكشاف محدودية أدوات القوّة التي اعتادت توظيفها خلال العقود الماضية.
وتشكّل أميركا اللاتينية (بعد حرب غزّة، وتمدّد الصين، وتثبيت روسيا نفوذاً عسكرياً جديداً، وإعادة تموضع الدور الإيراني في الممرّات الاستراتيجية) إحدى أبرز الساحات التي تتجلّى فيها هذه التحوّلات.
ويبرز في هذا الإطار التصعيد الأميركي تجاه فنزويلا بوصفه صورة مكثّفة لصراع أوسع حول مستقبل النظام العالمي، يتجاوز لحظته السياسية المُباشرة ويتصل بعمليات إعادة تعريف القوّة في عالم يتجه بسرعة نحو تعدّدية قطبية.
منذ العدوان الإسرائيلي الأميركي على غزّة، برز تحوّل نوعي في مواقف الشعوب والحكومات في أميركا اللاتينية تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، أحدثت الحرب شرخاً عميقاً في الوعي الجمعي اللاتيني، إذ بدت واشنطن، في نظر قطاعات واسعة، مُنحازة بصورة كاملة لإسرائيل، غير مُكترثة بالضحايا المدنيين وحقوق الإنسان.
لم تعد الصين مجرّد منافس اقتصادي في القارة، بل باتت تمسك بعصب الطاقة الفنزويلية التي تتداخل مباشرة مع حسابات الأمن القومي الأميركي
وجاءت مواقف دول مثل فنزويلا والبرازيل وكولومبيا والمكسيك وبوليفيا لتؤكّد أنّ أميركا اللاتينية لم تعد الحديقة الخلفية للولايات المتحدة. لقد انقلب المزاج العام والنخبوي نحو رفضٍ مُتزايد للنفوذ الأميركي، ليس فقط بسبب الموقف من غزّة، بل لأنّ الحرب أعادت تفعيل ذاكرة تاريخية مُثقلة بتدخّلات واشنطن وانقلاباتها ودعمها الأنظمةَ العسكريةَ خلال القرن العشرين.
في هذا الفراغ المعنوي والاستراتيجي، صعد الدور الصيني بسرعة لافتة، إذ قدّمت بكين نموذجاً مُغايراً تماماً للمنطق الأميركي التقليدي، حين تعاملت مع دول القارة بندّية اقتصادية، وبشروط تمويل واستثمار لا تتضمّن اشتراطات سياسية أو تدخّلاً مباشراً في السيادة.
هذا النهج الناعم منحها موطئ قدم ثابتاً في الاقتصاد والبنى التحتية والاتصالات والطاقة، وسمح لها بأن تصبح الشريك التجاري الأوّل للبرازيل، وأن تدخل إلى قطاعات استراتيجية في تشيلي والمكسيك وكولومبيا.
تمكنت موسكو من ترسيخ وجود
ارسال الخبر الى: