الحب أيضا يموت في الحرب

37 مشاهدة

قلتُ لها مراراً وتكراراً إنّها فتاةٌ خائبة، لأنّها، كما يقولون، تتعلّق بأحبالِ الهواءِ البالية، وأحبالُ الهواء يُقصَدُ بها المستحيل. ولكنّ مرآةَ الحُبّ عمياءُ، بل صمّاءُ وبكماءُ. وها أنا أستشهدُ بالأمثال الشعبيّة للمرّة الثانية، لكي أستطيع أن أصفَ حالها، وهي تحبّه بسذاجةٍ وتمضي سنواتِ عمرِها في انتظار ما لا يأتي، حتّى جاءت الحرب، فوَضعتِ الحقيقةَ أمام عينيها؛ وهي أنّها أحبّتْه من طرفٍ واحد، أو أنّه أتقنَ خِداعَها حتّى أوهمَها بأنّه يحبّها، وعليها أن تحتملَ ظُروفَه وتنتظره. والحقيقةُ أنّها انتظرتْ ما لا يأتي حتّى ضاع عمرُها.

تلك القصّةُ التقليديّة حين نفتح عيونَنا على ابنِ العَمّ أو الخال. وقد فتحت عينيها على ابنِ خالها وأحبّته. وكانت أمُّها تُدعى سِتَّ إخوتها، فهي الأختُ الوحيدةُ لأشقاءٍ ستّة، ولذلك لم يتوقّفوا عن العناية بها رغم ضيق حالِ بعضهم، وظلّوا لا ينقطعون عن زيارتها حين أصبحت أرملة، ولم يَبقَ لديها من أبنائها سوى ابنةٍ واحدةٍ لم تتزوّج. وكانت تضعُ حُججاً واهيةً أمام كلِّ مشروعٍ للزواج، ولكنّها في الواقع كانت تُحبُّ ابنَ خالها الذي يكبرها بأعوامٍ قليلة. وكان يأتي في زيارةٍ لبيتهم القرميديّ بصحبةِ أبيه، فيقف إلى جواره ويُلقي نظراتٍ سريعةً نحوها وهي تهبُّ لتقديم واجب الضيافة للخال. ولكنّ تلك النظرات كانت كفيلةً بأن تُوقِعَها في شَرَك الحُبّ مُبكّراً، ولم تعد ترَى أحداً غيره، بل إنّها بدأت تصنعُ له الأعذار وهو يتزوّج بأخرى ويصبح أباً لعدّة أطفال، وتنتظر… حتى طال الانتظار.

في اليوم الذي ماتت فيه أمُّها، وأصبح البيتُ فارغاً إلّا منها، لم تسألْ نفسها ماذا ستفعل. ولكنّها تعلّقت بوعدٍ سريعٍ منه، وهو يقدّم لها واجب العزاء، كأنّه يقطع عليها أيَّ مشروعٍ لما تبقّى من عمرها وقد قاربت الأربعين. فقد قال لها، وهو يحاول أن يُخفِض صوتَه كي لا يسمعه والداه، وفيما كان يتظاهر بأنّه تَلَكَأَ أمام باب الخروج ليُحكمَ رباطَ حذائه، قال باختصار: سوف أتزوّجك قريباً.

ولم تكن تعرف، لفرط سذاجتها، أنّه يُحكم طوقَ حبِّه الوهميّ حول عنقها كما يُحكم رباطَ حذائه. وطارت مع كلماته الأخيرة التي

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح