الجيش اللبناني مأزق الهوية
دائماً كان الجيش اللبناني، خصوصاً في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990) وحتى 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، تاريخ إقرار اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، أداةً تنفيذيةً للقرار السياسي. ودائماً ما يلقي عناصره وضبّاطه اللوم على هذا القرار حين يُسألون عن دورهم في أحداث السابع من مايو/ أيار (2008) مثلاً، وفي الاشتباكات المتقطعة بين حيّي جبل محسن وباب التبانة في طرابلس ـ شمالي لبنان، بين عامي 2008 و2015، فضلاً عن أدوارهم في التظاهرات، تحديداً في سياقات قمع فئات دون أخرى. كذلك، دائماً ما يُسأل عن دور الجيش ككلّ خلال الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وصولاً إلى دوره في مواجهة السوريين خلال الحرب اللبنانية.
لم يعد مطلوباً اليوم، أقلّه من الولايات المتحدة، من الجيش اللبناني أن يكون أداةً تنفيذيةً، ولا ساعياً إلى تدوير الزوايا في قضية حصر السلاح على كامل الأراضي اللبنانية. النبرة الأميركية تجاه قائد الجيش، العماد رودولف هيكل، واضحة، وتتجلّى (عن حقّ أو باطل) في دفع الجيش إلى المضي في المبادرة تجاه حصر السلاح، والخروج من منطق السريّة، وإشاعة أن عملية تسليم السلاح تجري بعيداً من الإعلام. يعلم الجيش اللبناني مَن هم الأميركيون، إذ عدا عن أنهم الشركاء الرئيسيون له، فإنهم من بين الفئات الأكثر حضوراً في المناورات المشتركة، والدورات العسكرية. في المقابل، هناك حقائق توجب النظر إليها لفهم حقيقة هذا الجيش. أولاً، إن الجيش لا يريد التصادم مع مجموعة ذات غالبية طائفية معيّنة، وهو أمر فعله خلال حرب 1975 ـ 1990، إذا ما استثنينا مرحلة الرئيس السابق ميشال عون، حين كان عماداً للجيش. ثانياً، كانت تجارب الجيش مع القرار السياسي مدمّرة، خصوصاً في سياقات عدم إصدار الأوامر السياسية له لوقف اقتتال ما، ما جعله تحت مرمى الانتقادات التي لا يستحقّها في الأصل. ثالثاً، لم تدعم السلطات السياسية اللبنانية (تحديداً بعد 1990)، التي كانت تحت إمرة النظام السوري بقيادة حافظ الأسد، الجيش اللبناني، ولا تطويره، أي بما يتوافق مع أهواء حاكم دمشق حينها.
ارسال الخبر الى: