الجنوبيون يفرضون على اليمن والإقليم التعريفات الكبرى

لم تعد الأزمة اليمنية قابلة للإبقاء داخل دائرة الالتباس السياسي الذي سيطر على المشهد منذ ثلاثة عقود.
ما يحدث اليوم ليس خلافًا عابرًا بين مكوّنات السلطة، ولا نزاعًا على مواقع ونفوذ داخل بنية رخوة أصلًا، بل لحظة انكشاف كاملة تُسقِط روايات استُهلكت طويلًا عن وحدة الدولة واستقامة الشرعية ووضوح تعريف العدو.
فطوال 30 عامًا، ظلّت القوى التي صادرت قرار صنعاء تقدّم نفسها بصفات الدولة، بينما كانت الحقيقة أن الدولة خرجت مبكرًا من سياق الفعل السياسي، وحلّت محلها شبكات حزبية وقبلية نسجت تحالفاتها مع تنظيمات جهادية، وأدارت جغرافيا كاملة بوصفها خزّانًا للفوضى وأدواتها.
التحركات التي شهدها الجنوب في مطالع ديسمبر/كانون الأول 2025 ليست خروجًا على الشرعية، بل نتيجة مباشرة لإخفاق الشرعية نفسها في مواجهة العقدة البنيوية التي أُهملت عمدًا منذ 1994، يومها كان يُفترض أن تتأسس الوحدة على ركائز دولة، لا على غلبة طرف، ولا على فتاوى تكفيرية صادرة عن حزب الإصلاح زعمت أن الجنوب دار حرب، تلك الفتاوى التي سبقت القاعدة وداعش بسنوات، وكانت الشرارة الأولى التي نقلت اليمن من دولة إلى غابة. أما اليوم، وبعد ثلاثة عقود، فإن من أشعل النار يرفض الاعتراف بحقيقة أن الجنوب الذي صمد وحرر وواجه الإرهاب هو الطرف الوحيد الذي حافظ على ما تبقى من دولة، بينما استخدمت القوى الأخرى كل شبر من اليمن منصة للفوضى أو ورقة تفاوض.
حين حررت القوات الجنوبية عدن من الحوثي عام 2015، لم تكن تحمي نفسها فحسب، بل كانت تحمي شرعية كانت قد انهارت فعليًا في صنعاء، وحين فتحت أبواب معاشيق لعبدربه منصور هادي، ثم لرشاد العليمي لاحقًا، لم يكن ذلك بدافع الرغبة في السلطة، بل بدافع الحفاظ على حد أدنى من تماسك الدولة. ومع ذلك، ظلّ الجنوب يتلقى اللوم ويُحاصَر سياسيًا، ويُطلب منه أن يتحمّل نتائج أخطاء ارتكبها الشمال، من فشل الجبهات إلى سقوط المحافظات إلى بقاء الحوثي قوة مركزية رغم هزال بنيته الأولى.
جذور اللحظة الراهنة يمكن قراءتها بوضوح منذ تحرير المكلا عام 2016. في تلك
ارسال الخبر الى: