الجنوب إرادة لا تقهر ومسار لا تراجع عنه

من يتتبع مسار قضية شعب الجنوب الوطنية التحررية يجد نفسه أمام نموذج استثنائي لشعبٍ امتلك وعياً سياسياً مبكراً وإرادةً راسخة في الدفاع عن أرضه هويته وحقه في تقرير مصيره. فالجنوب لم يكن يوماً تابعاً أو هامشاً في التاريخ العربي الحديث، بل كان دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، دخلت في وحدةٍ طوعية مع دولةٍ أخرى هي الجمهورية العربية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م، استناداً إلى اتفاقية واضحة نصّت على الشراكة المتكافئة واحترام سيادة الطرفين وتأسيس من وحدة الدولتين دولة جديدة تقوم على التعدد والعدالة والمواطنة المتساوية. إلا أن ما حدث لاحقاً شكّل انقلاباً كاملاً على تلك الاتفاقية ومبادئها، حين تحوّلت الوحدة من مشروعٍ طوعي إلى أداةٍ للقوة والإخضاع، ومن صيغةٍ قانونية إلى واقعٍ عسكري مفروض بالقهر والإرهاب، وبلغ ذروته في اجتياح الجنوب صيف عام 1994م واحتلاله بالقوة وبفتوى تكفيرية تداعى لها من الآلاف من العناصر المتطرفة وما سموا بالافغان العرب ، في سابقةٍ خطيرة نسفت الأسس القانونية والسياسية التي قامت عليها الوحدة التي كانت أول صرعى هذه الحرب وقتلاها.
لقد أدرك شعب الجنوب منذ ذلك الحين أن ما فُرض عليه لم يكن وحدة، بل احتلالاً مكتمل الأركان استهدف تاريخه وكرامته وثرواته، وبدأت منذ ذلك اليوم مرحلة جديدة من النضال لاستعادة دولته وهويته وحقه في الوجود الحر. فكما انتصر في ثورة 14 أكتوبر 1963م على أقوى قوة استعمارية في العالم آنذاك، بريطانيا، وانتزع استقلاله الكامل في 30 نوفمبر 1967م، فهو اليوم يسير على ذات الطريق بإرادة لا تلين وإيمانٍ مطلقٍ بعدالة قضيته. لم تفلح سنوات القمع والإقصاء والتضليل وتمزبق والإرهاب والترهيب في كسر عزيمته، بل زادته التجارب وعياً وصلابة وإصراراً على أن حريته لا تُمنح وإنما تُنتزع بالإرادة والتضحيات.
إن الجنوب اليوم لا يقف على أطلال ماضٍ ضائع، بل على أرضٍ ثابتة وواقعٍ جديدٍ تشكّل بفعل نضالات وتضحيات أبنائه، حيث بات يملك مؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية، وإرادته الشعبية الحرة التي لا يمكن تجاوزها أو الالتفاف عليها وقبل ذلك قيادة
ارسال الخبر الى: