الجزائر تفسير حالة
لا يجد المجتمع النشط والمشتبك مع قضايا البلد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الجزائر، إجابات سياسية جادة ومقنعة بشأن جملة أسئلة عميقة تخصُّ استمرار العوامل الكابحة للمبادرة السياسية، والمعطّلة للإقلاع الاقتصادي وفكّ المعضلات الاجتماعية، رغم أن البلد لا يواجه توترات داخلية أو انقسامات سياسية، يمكن أن تفسر تعطّل السياسات العامة عن إنجاز وعودها، أو تبرر القلق المجتمعي الذي يتغذى من وقائع وأحداث تظهر وجود خلل كبير في الحوكمة الرشيدة. بعد حراك شعبي سلمي، أظهر مستوى كبيراً من قدرة المجتمع الجزائري على الاعتراض السياسي، وأبرز على نحوٍ غير مسبوق، التطلعات العميقة والتاريخية للجزائريين في التغيير الديمقراطي المشروع، حَدَثَ انكفاءٌ كبير في المشهد السياسي، وإخفاق في مأسسة هذا الحراك وتحويل تلك التطلعات إلى مسارات قابلة للتجسيد. ثمة ظروف وأسباب كثيرة، بعضها يتعلق بطبيعة السلطة وقدراتها، وبعضها بسذاجة الطبقة السياسية، يمكن أن تفسر كل ذلك، بل إنّ بعض رموز المرحلة السابقة للحراك، المعبرة عن مرحلة الفساد والمعادية لتطلعات الشارع، عادت عبر مسارات السلطة إلى تصدر المشهد السياسي والمجتمعي.
كان خطأ كبيراً لا يُغتفر للسلطة القائمة، وسيُرسم بوصفه حكماً تاريخياً بشأنها في المستقبل عند قراءة المرحلة بأثر رجعي، تقييدُ المجال السياسي والإعلامي، والتشدّد في الضغط على الحريات الأساسية ذات الصلة بالأنشطة والمواقف والتعبيرات السياسية، وتسليط إكراهات لمنع الديناميات السياسية من التنظم وتنظيم المجتمع على أسس الخيار الديمقراطي والاختلاف السياسي المشروع. أدى ذلك إلى تصحير الساحة السياسية، وإجبار فاعلين على الاستقالة وتحييد نفسها، وحرمان المجتمع من وسائل أساسية لمناقشة قضاياه ومطالبه، ومن أدوات وأطر طبيعية للتعبير عن تطلعاته ومواقفه وانشغالاته، مثلما حرم السلطة من مؤسّسات وسيطة كان يمكن أن تؤدي دوراً نقدياً ومساعداً في تحقيق تقدم في معالجة المشكلات وتركيز الحوكمة الراشدة. وكان تحصيل حاصل، أن يؤدي تغييب النقاش السياسي الجاد، وانغلاق فضاءات الحوار المسؤول، إلى بروز خطاب سياسي رديء ومتواضع، غير مقنع ولا بنّاء، متماهٍ مع الاستعراض الأدبي الفج، ويفتقد كلياً إلى الرؤية النقدية الضرورية، وبعيد عن مناقشة المشكلات الأساسية، ويعيد إنتاج نفس القوالب
ارسال الخبر الى: