الجزائر ظل خلف الفكرة المسمومة
كان يمكن تصور حدوث قطع للعلاقات الدبلوماسية الجزائرية الفرنسية، الأحد الماضي، لو سمحت السلطات الفرنسية لحركة ماك الانفصالية المصنفة في الجزائر على لائحة الإرهاب، بإقامة حفل إعلان الاستقلال المزعوم لمنطقة القبائل في قصر فرساي الرسمي. كان ذلك سيعني بصورة مباشرة تبنياً رسمياً من قبل الحكومة الفرنسية لهذه الخطوة، بما تمثله من قطع شعرة الأخيرة.
أقيم حفل الانفصال المزعوم في قاعة حفلات خاصة، لم يكن نجمه رئيس الحركة فرحات مهني، لكن حضور شخصيات إسرائيلية هو أكثر ما لفت الانتباه. لقد طغى حضورهم وحديثهم في الحفل عن دعم اسرائيلي مباشر للخطوة، بما يكشف على نحو أوضح القوى الدافعة. وقال رئيس منظمة بن غوريون في إسرائيل مانويل إبراهاموفتيش خلال الحفل: نحن حلفاء لكم وسنرافقكم إلى النهاية. وتحدث لورون غرودوفيسك عن دعم إسرائيلي كامل، وحضر الضابط السابق في الاستخبارات الإسرائيلية إيغال كارنو، وقدّم في الحفل على هذا الأساس، وكان الاحتفاء في القاعة بحضور الثلاثي الإسرائيلي أكثر من أي شخصية أخرى.
تعلن الحركة بذلك وبكل وضوح ارتباطها بالمشروع الصهيوني القائم على إضعاف كل مراكز القوة في المنطقة العربية، وبالقدر نفسه الذي يسعى إلى استغلال الأكراد في العراق والدروز في سورية تحت عنوان الأقليات. هذا التناقض القاتل لحركة تزعم أنها تنشد الحرية، في الاتكاء على قوة احتلال وإبادة، ينسف أساسها الأخلاقي، لكن ثمّة غاية سياسية أخرى من ذلك: تدرك الغرفة المديرة للحركة أن مدّ جسور العلاقة مع تل أبيب سيقيها من تهمة الإرهاب التي تلصقها بها السلطات الجزائرية، ويعفيها تماماً من هذه المعركة، ويتيح لها التمدد لدى الدوائر والمجالات السياسية والإعلامية التي يبلغ فيها تأثير اللوبي الإسرائيلي مبلغه، ويفتح لها أبواباً واسعة من الإمداد اللوجيستي.
لهذا السبب، ودون غيره من الأسباب، تأخذ هذه الحركة والخطوة التي قامت بها بإعلان الانفصال المزعوم، خطورتها السياسية، ويجب أن ينظر إليها في الجزائر على هذا المستوى بالضرورة. لا تتعلق هذه الخطورة أبداً بكيان الحركة في حدّ ذاته، أو بخطابها الانفصالي ومشروعها الوهمي الذي يشبه لعبة تلوين الخرائط، لأن هذه مسألة
ارسال الخبر الى: