الجريمة والإفلات من العقاب
في رائعته الجريمة والعقاب، أبدع فيودور دوستويفسكي في رسم أبعاد الصراع النفسي لشابٍّ لم يتورّع عن ارتكاب جريمة قتل، حاول بعدها تبرير فعلته النكراء بذرائع أخلاقية. ولأن الجاني عجز عن سداد إيجار مسكنه في موعده، فقد قرّر التوجّه إلى منزل مرابية لرهن ساعته، وهناك لمعت في رأسه فكرة التخلّص منها، بل أقدم على قتلها بالفعل، ومعها سيّدة أخرى صادَف وجودها في مكان الجريمة. ورغم أنه لم يُقبَض عليه متلبّساً بارتكاب جريمته، إلا أنه حاول إقناع نفسه بأنه خلّص المجتمع من مرابية تستحقّ العقاب، معتقداً أنه أعلى مرتبةً من هذا النوع من البشر. وقد برع أديبنا المبدع في رسم شبكة العلاقات المحيطة ببطل الرواية، بكلّ ما يعتمل فيها من تعقيدات إنسانية أدخلته أزمةً نفسيةً وفكريةً عنيفةً، لينتهي به الحال إلى اعترافه بجريمته وتسليم نفسه للعدالة.
تذكّرتُ هذا العمل الروائي المبدع بينما كنت أتابع عبر شاشات التلفاز مشاهد التجويع والإبادة التي ترتكبها إسرائيل ضدّ الشعب الفلسطيني، وفجأة انبثق في ذهني سؤال حول نوع الإبداع الذي كان يمكن لأديب في حجم دوستويفسكي أن يستلهمه من مشاهد كهذه، لو قدّر له أن يعيش بيننا. فالجاني الإسرائيلي يعتقد أنه يتمتّع بتفوّق أخلاقي مستمدّ من محرقة تعرّض لها اليهود في ألمانيا النازية، والضحية الفلسطيني شعب احتُلَّت أرضه وانتُهِكت حقوقه، ويتعرّض منذ عامَين لعمليات تجويع ممنهج وتطهير عرقي. ورغم ما يبديه من مقاومة أسطورية، وما يقدّمه من تضحياتٍ لا مثيل لها في التاريخ الإنساني، يجد نفسه محشوراً داخل بيئة محيطة عاجزة تماماً عن تقديم أيّ دعم حقيقي لنضاله المشروع. ولأن لدى المجرم الإسرائيلي ثقة تامّة في قدرته على الإفلات من العقاب، فليس من المتوقّع أن يدخل في أزمة نفسية تُفضي به إلى الاعتراف بالذنب.
لإسرائيل حلفاء أقوياء يتولّون تزويدها بكلّ ما يعينها على مواصلة ما ترتكبه من جرائم والإفلات من العقاب في الوقت نفسه
لن يكون بمقدور أحد إنقاذ الشعب الضحيّة ممّا يُرتكَب في حقّه من جرائم تشكّل وصمةَ عارٍ في جبين الإنسانية، مهما بلغ خيال الراوي،
ارسال الخبر الى: