الثقافة السورية في 2024 حالة احتضار انتهت بفرار الدكتاتور
٤٩ مشاهدة
مشهد واحد لخص بسرعة حال الثقافة السورية لعام 2024 وتجلى في جرافات أرسلتها سلطات النظام البائد على حين غرة لإزالة بسطات الكتب من تحت جسر الرئيس تغير اسمه بعد انتصار الثورة إلى جسر الساروت منظر آلاف الكتب والمجلدات الممزقة على أرضية الشارع تنقلها سيارات مخصصة لنقل القمامة التابعة لمحافظة دمشق فجر غضبا كبيرا وقتها في أوساط المثقفين فلقد عمل النظام البائد لسنوات طوال على إعدام أي ملمح يتصل بالثقافة والفنون فمن إزالة أكشاك الرسامين في شارع الصالحية عام 2006 واعتقال أصحابها إلى تحويل صالات سينما إلى سوق عرض مفروشات وأدوات منزلية ومطاعم مجزرة الكتب تحت جسر الساروت واكبها اختفاء تدريجي للمكتبات العامة من شوارع دمشق وحلب وحمص واللاذقية من مثل مكتبات ميسلون التي تحولت إلى مركز للصرافة والزهراء التي تحولت إلى سوبر ماركت في حين صارت مكتبة اليقظة محلا لبيع الأحذية المصير ذاته لاقته مكتبات الخيام والرسام المجاني للأطفال في اللاذقية ومثلها مكتبات استانبولي والفجر وعفش في حلب إعدامات جماعية ترافقت مع انحسار حركة النشر في البلاد وإلغاء معرض دمشق الدولي للكتاب الذي أحاله كل من اتحاد الناشرين السوريين ووزارة الثقافة لما سموه معرض الكتاب السوري وهو فعالية هزيلة سيطرت فيها منشورات اتحاد الكتاب العرب على مجمل أجنحتها فيما انفضت دور النشر السورية عن المشاركة في فعالياته من مثل التكوين وكنعان وورد وانحصرت أنشطة هذا المعرض المحلي بتواقيع كتب لأعضاء اتحاد الكتاب واقتصرت فعالياته على ندوات خشبية لهم عن المقاومة والصمود والتصدي تزوير الكتب واقع دور النشر السورية شهد هو الآخر احتضارا مماثلا فعلى الرغم من الرقابة المسبقة على الكتاب والدوريات في سورية الأسد وغلاء أسعار الورق والطباعة إلا أن هذا القطاع شهد مبادرات جدية لإبقاء الكتاب السوري حاضرا في معارض الكتب العربية في الوقت الذي أفسحت وزارة الثقافة في حكومة النظام البائد لحركة تزوير الكتب بالنشاط وغضت النظر عن تزوير عشرات العناوين وقرصنتها في وضح النهار بل وسمحت لهذه الدور بأخذ مواقع الصدارة لأجنحتها في معرض الكتاب السوري معلنة إعدام حقوق عشرات المترجمين والمحررين والمدققين اللغويين ومصممي الأغلفة اللافت أكثر من ذلك هو سيطرة أعضاء اتحاد الكتاب على لجان القراءة في الهيئة العامة السورية للكتاب إذ تحولت هذه الأخيرة في معظم ما تنشره إلى طباعة دواوين أعضاء الاتحاد الشعرية وتصدير رواياتهم وكتبهم عن المؤامرة الكونية فيما أطلقت وزارة الثقافة في حكومة النظام البائد أيادي هؤلاء في تمحيص المخطوطات وفحص زمرة ولاء كتابها في الوقت الذي استمرت دائرة الرقابة في وزارة إعلام النظام والمؤسسة العامة للمطبوعات في منع الكتب التي تتحدث عن الثورة السورية وعدم إعطاء موافقة تداول لها داخل أراضي القطر هذا الواقع لم يمنع دور النشر المستقلة من متابعة إصداراتها فلقد سجلت دار نينوى قائمة لافتة لعناوين في الرواية والترجمة والدراسات ومن أبرز هذه الإصدارات كان كتاب التاريخ الثقافي للألم لمؤلفها خابيير موسكوسو وترجمة حسني مليطات في حين أصدرت دار التكوين أعمالا بارزة لعل أهمها سلسلة إشراقات الشعرية التي يشرف عليها الشاعر أدونيس كما صدرت عن الدار نفسها الأعمال الشعرية الكاملة لولت ويتمان بترجمة عابد إسماعيل وأصدرت دار ورد كتبا لافتة في هذا المجال منها نادي المتفائلين غير القابلين للإصلاح للفرنسي جان ميشيل غوناسيا ورواية علي في بلاد العجائب للكاتب الإسباني ألبرتو باثكث فيكيروا وترجمة عبدو زغبور آثار وقلاع لإقامة الأفراح وإذا كان واقع حركة النشر السورية والمكتبات العامة في حالة اضمحلال وكساد فإن واقع المواقع الأثرية ليس أفضل حالا منها فلقد أخضع النظام البائد مجمل المواقع التاريخية في كل من دمشق وحمص وحلب لتصير بمثابة ملاه وصالات لإقامة الأفراح هكذا تم تأجير خان أسعد باشا الأثري لإقامة عرس لعاصم الأسد وغيا كنعان حفيدة وزير الداخلية السابق غازي كنعان وبتكلفة وصلت إلى 500 ألف دولار أميركي في الوقت الذي كان يعاني فيه غالبية الشعب السوري من الفقر والجوع والحرمان تأجير المواقع الأثرية لإحياء أعراس آل الأسد وحاشيته امتد ليشمل كلا من قلعة دمشق وقلعة الحصن والبيمارستان النوري وقصر العظم والعديد من الأوابد الأثرية المسجلة على لائحة التراث العالمي في منظمة اليونسكو اللافت هنا أن تأجير هذه القلاع التاريخية كان يجري بموافقة من مديرية الآثار والمتاحف في وزارة الثقافة لكن بأبخس الأجور إذ تعرضت العديد من المواقع للتخريب بسبب إطلاق الألعاب النارية في حفلات زفاف وصفت بالأسطورية وضرب القائمون عليها عرض الحائط بأية حرمة لتراث سورية الحضاري والتاريخي في حين كان يمنع على العديد من الفنانين والمثقفين السوريين تقديم أنشطة داخل تلك المواقع إلا بشق الأنفس أو عبر موافقات أمنية غالبا ما تكون بشروط تعجيزية ولم يكن حال المواقع التاريخية التي كرسها النظام البائد لإحياء الأفراح أحسن حظا من عشرات المواقع الأثرية التي تعرضت للنهب المنظم وقد استرد المتحف الوطني في دمشق منذ عام 2022 ما يقارب 35 ألف قطعة وكلها قطع أثرية أصلية تعود لفترات مختلفة من التاريخ ومنها السرير الجنائزي وتماثيل نصفية كانت معدة للتهريب خارج سورية لكن ما لم يفصح عنه القائمون على مديرية الآثار والمتاحف هو مصير المومياءات التدمرية حيث كانت الحكومة اليابانية قد قدمت عام 2005 منحة تجهيزات متحفية سمعية وبصرية تقدر بـ 49 مليون ين ياباني وذلك ليتم عرض هذه المومياءات التي تعود إلى القرن الأول للميلاد في قاعة خاصة لها ضمن حرم المتحف ويبدو ملف الآثار متمما لهول ما تعرضت له سوق المهن اليدوية في التكية السليمانية في دمشق والتي قامت الأمانة السورية للتنمية التابعة لزوجة الرئيس المخلوع أسماء الأخرس بطرد حرفييها وورشهم إلى الشارع بعد توجيه إنذارات لهم بالإخلاء الفوري عشرات المهن التراثية القديمة مهددة بالانقراض اليوم بعد أن وجد أكثر من أربعين شيخ كار أنفسهم في العراء من هذه المهن القديمة صناعة السيف الدمشقي وآخر نول لحياكة البروكار والدامسكو إضافة لحرفيي الخط العربي والزجاج المعشق والخزف والقيشاني والنحاسيات والأزياء التقليدية حديقة حيوانات تحتل متحف الفن حركة الفن التشكيلي السوري ربما تكون هي الأكثر ابتعادا عن هيمنة مؤسسات النظام البائد لكنها عانت هي الأخرى من تدمير ممنهج للذاكرة فحتى الآن لم يعرف مصير أكثر من 14 ألف عمل فني في مستودعات مديرية الفنون الجميلة التابعة لوزارة الثقافة فلقد ابتلعت الرطوبة والإهمال أعمالا كانت الوزارة قد قامت باقتنائها في معرضي الربيع والخريف لكل من فاتح المدرس ونذير نبعه ولؤي كيالي ونصير شورى ومحمود حماد فيما تم التعتيم من قبل إدارة المتحف الوطني في دمشق على اختفاء أعمال لكل من سعيد تحسين وناظم الجعفري وحمود جلال وألفريد بخاش من قسم الفن الحديث في المتحف وذلك عبر تهريب هذه الأعمال وبيعها إلى صالات ومزادات الفن في العالم ولم تنجح كل نداءات الفنانين التشكيليين في البلاد بتلبية مطالبهم بإقامة متحف للفن الحديث فلقد تم تحويل قطعة الأرض التي كانت مخصصة لإقامة هذا الصرح الثقافي لحديقة حيوانات في منطقة العدوي في دمشق إذ بقيت المبادرات التي قام بها فنانون يديرون صالات مستقلة في البلاد في إبقاء جذوة التشكيل مستمرة ولعل أبرز تلك المبادرات جاءت من صالة عشتار لمديرها وصاحبها الفنان عصام درويش والذي أقام معارض لكل من فدوى شهدا وغيث ضاهر وفاطمة إسبر وسيماف حسين وميسر كامل وقدمت غاليري البيت الأزرق معرضها السنوي لنحاتين سوريين منهم مصطفى علي ونجود الشومري ولطفي الرمحين وفؤاد أبو عساف في حين واظبت صالة جورج كامل على إقامة معارضها الاستعادية لكل من يوسف عبدلكي ونعيم إسماعيل ومصطفى الحلاج وتبدو هذه المبادرات مع انعدام سوق بيع واقتناء الأعمال الفنية نوعا من مخاتلة واقع أمسى أكثر صعوبة لفناني البلاد عام 2024 حيث أمسى مصير معظم هؤلاء في أيدي تجار الفن وصاروا عمالا تشكيليين ينتجون أعمالا على القطعة مقابل أجور شهرية أرسل الواقع الثقافي إشارات عن اقتراب سقوط النظام استغلال الفنانين التشكيليين من قبل تجار الأعمال الفنية أمسى واقعا فعلا فلم يعد الفنان يبيع لوحاته بل يعمل غب الطلب كأي عامل مياومة وهذا يعكس حجم الانهيار الشامل في المشهد التشكيلي السوري في الوقت الذي واظب فنانون آخرون على التزام محترفاتهم الشخصية في كل من حارة اليهود الدمشقية مراسم ومحترفات كل من مصطفى علي وعبد الله مراد وإحسان عنتابي وسنا أتاسي إضافة لكل من إدوار شهدا وغازي عانا ونبيل سمان وسهيل بدور وسبهان آدم بقيت هي الأخرى ملاذا أخيرا بعد هيمنة بعثيي النظام البائد على عمل وقوانين اتحاد التشكيليين السوريين وجعل هذا الاتحاد مركزا لجباية الاشتراكات من أعضائه غياب موضوعة الثورة عن أعمال التصوير الزيتي والغرافيك والنحت في معرضي الخريف والربيع كان أيضا لافتا في معظم ما قدم لهذا العام إذ اقتصر الفنانون المشاركون على تقديم مشهديات عمرانية من المدن والبلدات السورية إضافة لأعمال البورتريه والمناظر الطبيعية الريفية مفارقة شطب الثورة من المحترف السوري تبقى لغزا محيرا وتطرح أسئلة كثيرة عن الرقابة الصارمة على الأعمال المشاركة في حين تميزت أعمال النحت باعتماد فنانيها على خامات الخشب والمعدن واللحام وتقنيات السكب والصب مقدمين تكوينات تجريدية بالعموم في حين حضرت بعض الأعمال التجسيدية متكئة على خامتي البازلت والبرونز ويمكن الانتباه في معرضي الخريف والربيع لسيادة طرق العرض التقليدية وأهمها لوحة الحامل وغياب الفنون المعاصرة من تجهيزات الفضاء والفن التركيبي الإنستليشن وفنون الفيديو آرت وفنون ما بعد الرسم والإنشاء الصناعي والتي غالبا ما تحتاج إلى خامات متنوعة وفضاءات متداخلة مكانيا مع الواقع حافظت المعارض الدورية السورية على عروض اعتيادية للغاية مما فوت الفرصة على جيل الفنانين الشباب لتطوير أعمالهم نحو ما يسمى اليوم بالفن المفاهيمي والذي يعتمد على مؤثرات صوتية وبصرية ذات طابع حداثي ومعاصر ويكون غالبا خارج الصيغ المعهودة لثنائية الربيع والخريف السوريين عروض أكاديمية أنقذت المسرح هذا التقهقر المرعب في المشهد الثقافي السوري واستفراد النظام البائد بواقع الثقافة والفنون قابله عدد من المبادرات الفردية من فنانين ومثقفين آثروا ألا يتركوا مسارحهم وصالات عروضهم لإرادة الطاغية فظلوا يعملون على تقديم مبادراتهم في السينما والمسرح والموسيقى ولعل المسرح السوري أنصع مثال عن حالة الاحتضار الشاملة التي شهدتها الثقافة السورية في عام 2024 فلقد انفض معظم المسرحيين عن العمل مع المسرح القومي وذلك بعد تدهور الأجور وعدم توفر البيئة التقنية المناسبة لعروضهم وتبدو عروض الأكاديميات المسرحية في طليعة العروض التي يمكن التعويل عليها عام 2024 سواء من حيث السوية الفنية أو حتى على صعيد الحضور القوي لممثليها ولعل على رأس هذه الأكاديميات يأتي المعهد العالي للفنون المسرحية بعروض أكثر حرفة وتأملا على صعيد الإخراج والأداء والعناصر التقنية والجمالية وأكثر تمردا على عقلية الرقابة السائدة في المسارح الرسمية هكذا على التوالي قدم حسن دوبا عرضا بعنوان بعض من شكسبير وفيه استقى المخرج الشاب شخصيات من نصوص ماكبث وهاملت وتاجر البندقية إضافة لـ ريتشارد الثالث وعطيل جامعا إياها في سياق جرائم الاغتيالات السياسية في الدراما الشكسبيرية فيما قدم الفنان مجد فضة عرضه اللعبة الخطرة عن نص بالعنوان نفسه للكاتب الصربي برانيسلاف نوشيتش دمجه مع نصوص أخرى للكاتب نفسه هي الماستر دولار والمرحوم وحرم سيادة الوزير وقدم اللعبة الخطرة أداء مغايرا لقوالب الأداء التقليدية للإطلالة على واقع أثرياء الحروب تماما كما كان الحال مع عرض بتوقيت دمشق لمخرجه عروة العربي الذي لعب على مسرح الارتجال لتقديم فرضية الأم المحتضرة وأبنائها في لعبة درامية تكاد لا تخبو حتى تعود وتتوهج ضمن أداء جماعي لافت فقد ناقش العربي من خلال هذا العرض ظاهرة المخفيين قسرا في سجون النظام المجرم عبر لعبة تمويه متقنة عن أعين الرقابة ومن أبرز العروض التي أنتجها المعهد العالي للفنون المسرحية لهذا العام كان عرض ليلة مرتجلة لمؤلفها ومخرجها يزن الداهوك وفي هذا العرض يحضر فن التمثيل موضوعا لشخصيات العرض الست فيما يكشف لقاء الأصدقاء في بيت أحدهم تورمات الأنا وأمراضها المزمنة إذ قدم العرض تشريحا متقنا لحال الوسط الفني ومحسوبياته في ظل حكم الرئيس المخلوع فقدم تصورا عن نمط شركات الإنتاج السائدة في البلاد وكيف تدير صفقاتها المشبوهة بطريقة الرشوة الجنسية واغتصاب الممثلات الصاعدات وليس بعيدا عن هذا المستوى من الأداء قدمت كلية الفنون للأداء اللاذقية عرضين من كلاسيكيات النصوص المسرحية الأول هو المفتش العام لنيقولاي غوغول وجاء بتوقيع فؤاد العلي أما الثاني فهو حلم ليلة صيف وجاء بإمضاء الفنان سامر عمران وفي كلا العرضين تابع الجمهور صيغة مبتكرة لامتحان الممثل على عتبة الاحتراف وخرج من صالات العلبة المسرحية إلى فضاء الأماكن البديلة ناقش العرض الأول الفساد المستشري أيام النظام البائد فيما خلص العرض الثاني إلى تقديم رثاء غير مباشر لمدينة اللاذقية في ظل حكم البعث وكيف استحالت المدينة البحرية إلى أطلال وحشود وظلال بشرية الفنان سمير عثمان الباش لم يتأخر عن هذا النوع من الطرح الفني فلقد قدم في مدرسة الفن المسرحي جرمانا عرضين مميزين الأول عمل فيه الباش على مسرح الكوميديا ديلا رتي وجاء بعنوان تحت شجرة الصفصاف في ضوء القمر أما الثاني فجاء بعنوان لقاءات وهو مشروع تخرج الدفعة السادسة من دفعات مدرسة الفن وقدم الباش عبره مسرحيات ثنائية قصيرة أطلت بقوة على واقع السوريين في ظل نظام البعث وكيف عملت المنظومة الحاكمة على بث التفرقة بين أبناء الشعب الواحد بدوره قدم الفنان كفاح الخوص عرضا مفاجئا في هذا السياق بعنوان مع سبق الإصرار عن نص من إعداده بالشراكة مع لوتس مسعود والنص مقتبس عن مسرحية المنتحر للكاتب الروسي نيكولاي إيردمن جاء العرض من إنتاج دراما رود وضم أكثر من ثلاثين متدربا ومتدربة خضعوا لورش إعداد الممثل وتربية الذائقة الفنية وقد غاص العرض في خفايا لعبة الموت السورية وكيف استثمر النظام في صناعة ثقافة الوهم وتقديسها دار الأوبرا السورية أنتجت لعام 2024 عرضا راقصا بعنوان خدر لمخرجته ومصممته الكريوغراف رهف الجابر وفيه تناولت الجابر أزمة مجموعة من الشبان والشابات لا يجدون أرضا يقفون عليها فلقد أحالهم النظام البعثي إلى مجرد كائنات عديمة الملامح الأمر ذاته ناقشه العرض البصري الرقمي كونتراست للفنان أدهم سفر والذي كان له قصب السبق في اقتحام مجال المسرح الرقمي الذي دمج بقوة بين الأداء والغرافيك والفيديو مابينغ من جهة وبين الضوء والرقص والموسيقى الحية ناقش كونتراست موضوعة الثورة السورية عبر جسد ينفجر إلى أجساد قضت تحت التعذيب في تورية لعبها سفر موظفا الموسيقى الحية لمساندة الأداء الراقص على الخشبة صالات سينما تحولت إلى مطاعم وشهد عام 2024 تراجعا ملحوظا في الإنتاج السينمائي فلقد عمل مدير عام مؤسسة السينما مراد شاهين على منع العديد من الأفلام وتسبب بإغلاق العديد من الصالات من أبرزها صالة كندي حمص هكذا على التوالي تم منع فيلمين لمخرجهما غسان شميط وهما فيلم ياسمين شوكي وحي المنازل وهذا الأخير تم منعه بسبب تصويره لمظاهرة سوق الحميدية في 15 آذار من عام 2011 أما الفيلم الوثائقي ياسمين شوكي فقد منع بعد أن وثق مخرجه قيام جنود وضباط روس في قاعدة حميميم الجوية باستدراج فتيات سوريات قاصرات واغتصابهن عبر شبكة قوادة محلية الأمر الذي أدى إلى تشكيل وزيرة الثقافة في حكومة النظام لبانة مشوح لجنة رقابية لبدء مساءلة كل من المخرج شميط وكاتب الفيلم كما شهد هذا العام استيلاء عدد من رجالات أعمال وتجار النظام البائد على العديد من صالات العرض السينمائية فتحولت سينما الأهرام إلى صالة عرض مفروشات وعصرونية فيما تحولت صالة سينما الهبرا في حي باب توما إلى مطعم ومثلها سينما راميتا التي انقلبت بين ليلة وضحاها إلى مقهى نراجيل ولعب الورق واقع كان سيطر لسنوات على مجمل العملية الإنتاجية السينمائية في البلاد حيث حرصت الإدارات المتعاقبة على المؤسسة العامة للسينما على تحويلها إلى مزرعة شخصية وقامت جهة مجهولة تدعى ميديا للمرئيات والصوتيات بنشر أكثر من مئتي فيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما على موقع يوتيوب ليتضح أن إدارة المؤسسة العامة للسينما قامت ببيع هذه الأشرطة مقابل مبالغ مالية ضخمة في الوقت الذي تم فيه إهمال السينماتك مكتبة الأفلام التي أسستها المؤسسة في صالة كندي دمشق عام 2017 وهي غير متاحة للجمهور الأمر الذي نسف حقوق التأليف لعشرات الفنانين والكتاب الذين عملوا مع المؤسسة منذ إنشائها عام 1960 كما أن هذه الخطوة تعد مخالفة لطابع المؤسسة الاقتصادي الثقافي في استرداد عائدات الأفلام وتوزيعها لصالح خزينة الدولة في ظل هذا الفراغ الإنتاجي المزمن أقدمت أكاديمية شيراز على إنتاج العديد من الأفلام الروائية القصيرة لمخرجين جدد وكان أبرز هذه الأشرطة نهاري ليلي لطارق مصطفى عدوان والعنزة لعبد اللطيف كنعان وخلص الشحن ليزن أنزور وإيجابي لرامي نضال السلسلة السينمائية قدمت اتجاها مغايرا عن أفلام القطاع العام وتعرضت بجرأة للقمع الذي طاول المرأة والطفل في ظل النظام البائد وكيف أحال البعث البشر إلى أغنام بشرية خائفة استحكم بها الهلع من الماضي والحاضر ودون أي أمل بمستقبل تسوده العدالة وحقوق الإنسان وتمكن المخرج جود سعيد من تحقيق فيلمه سلمى خارج إستوديوهات المؤسسة وهو شريط روائي طويل جود بروداكشن يتعرض لواقع المعتقلين في سجن صيدنايا العسكري يرصد الفيلم 100 دقيقة حكاية معلمة تنتظر زوجها المعتقل في سجون النظام البائد منذ عشر سنين وتتعرض للتحرش والاستغلال الجنسي من أحد المتنفذين لدى النظام وعندما لا ترضخ لإرادته في إذلالها وتصوير مقطع فيديو تساند فيه حملة انتخابية لشقيقه الفاسد يتم الانتقام منها وطردها من وظيفتها موسيقى بديلة حال الموسيقى والموسيقيين السوريين لم يكن أفضل من حال زملائهم في السينما والمسرح والتشكيل إذ يمكن رصد نزيف العديد من الأسماء المهمة في الريبرتوار الموسيقي منذ قيام الثورة والذي شمل أبرز أساتذة ومدرسي المعهد العالي للموسيقى وكان أبرزهم مالك جندلي وعصام رافع وكنان العظمة ولينا شماميان ورشا رزق إضافة لكل من لبانة قنطار وديما أورشو وشادي علي وقد وصلت نسبة هؤلاء إلى غالبية كوادر الأوركسترا السيمفونية الوطنية وأوركسترا الموسيقى العربية وعاما بعد عام صار من الصعوبة إقامة حفلات دار الأوبرا التي سيطرت عليها سلطات النظام البائد وجعلتها رهنا لحفلات تخرج المدارس الخاصة التابعة لأبناء الرئيس الفار بشار الأسد وحاشيته إذ شهدت دار الأوبرا تراجعا في حفلاتها واقتصرت على التشريفات وإقامة فعاليات تمجد وزارة الثقافة وعيدها السنوي والذي اقتصر الحضور فيه على موظفي الوزارة وقيادات حزب البعث أمل بتفجر طاقات قمعت وهمشت على مدى أكثر من نصف قرن حركة الموسيقى البديلة كانت هي الحل للخروج من هذه السكونية التي شهدتها المؤسسات الرسمية إذ نظم الموسيقي وعازف القانون عبد الله شحادة أمسيات فنية في بيته في دمشق القديمة مثلما نجح الفنان سيمون مريش في استقطاب عشرات من جمهور موسيقى الجاز والبلوز لحضور أمسياته شبه اليومية في مقهى قهوة مزبوطة الأمر الذي ساق إلى الذاكرة العديد من التجمعات والفرق الفنية التي غادر عازفوها البلاد ومنهم كلنا سوا وحرارة عالية ومقامات والتخت الشرقي النسائي هذا الواقع الثقافي لعام 2024 أرسل إشارات قوية عن اقتراب سقوط النظام البائد بكل تمظهراته وأفسح في المجال اليوم لثقافة سورية حرة من عقيدة البعث وأفكار مناصريه إذ بدأت ترتسم معالمها منذ اليوم الأول لفرار بشار الأسد وعائلته ومن هذه العلائم كان ظهور التجمع الثقافي السوري الذي يضم في صفوفه مخرجين وكتابا وفنانين ومثقفين وناشطين من كل أطياف المجتمع الأمر الذي يعد بولادة تيارات فنية وثقافية خارج الحياة الحزبية ويفجر طاقات كانت مقموعة ومهمشة على مدى أكثر من نصف قرن