التمرد المبهج لطلاب الجامعات الأميركية

٢١ مشاهدة
شعرت مثل الآخرين ببعض الاسترخاء واستعادة شيء من الأمل بعد انتفاضة الطلاب التي اشتعلت شرارتها في جامعة كولومبيا في نيويورك ثم اتسعت رقعتها لتشمل أنحاء أخرى من الولايات المتحدة الأميركية وبعض المدن الأوروبية تنديدا بالحرب الإسرائيلية على المدنيين في غزة لعلها أنشودة أمل في الإنسان على هذه الأرض تغنى الآن بعد أن خلت مع هذه الحرب الحقيرة أننا أصبحنا كائنات فاقدة للحس والضمير مثل الزومبي وأن رائحة الإنسانية انعدمت إلا من صفحات الكتب التي نضعها على الرف فعلا لقد شعرت وأنا أشاهد انتفاضة طلاب جامعة كولومبيا الغاضبين بنشوة كتلك التي كانت تعتريني وأنا تلميذ في الفلسفة يتأمل مليا في صور فولتير وإيمانويل كانط من كتابه المدرسي حالما ومفكرا في قابلية هذا العالم الرحب للتأنسن وبالرغم من كل ذلك الثقل الذي حملتنا إياه الخيبات والانكسارات أحسست ببعض الخفة واتزان المزاج الذي كان قد شب للأسف الشديد على الاستياء طوال هذه السلسلة المروعة من الإبادة الجماعية فالشباب هم الأمل في الأخير ومع قلنسوة العلم يغذو هذا الأمل قويا وفاتنا وبهالة الصحوة واليقظة لم تكن مثل هذه المظاهرات غريبة عن الجامعات الأميركية جامعات ليست كجامعاتنا على أي حال فقد أبدع طلابها منذ الستينيات عنفوان المواجهة ضد الأخلاق البورجوازية فشكلوا موقفا ضاغطا على حكومات بلدهم لتغيير سياساتها الخارجية أهمها الموقف من الحرب على فيتنام والفصل العنصري في جنوب أفريقيا وغيرها من القضايا وقد نجح الطلبة الثوار آنذاك وبشكل يبعث على الإعجاب في الضغط بكل قوة إلى حد إرباك مؤسسات السلطة وتعقيد مساعيها الشيء الذي دفع شخصا مثل وزير الخارجية الأميركي الأسبق والراحل هنري كيسنجر إلى القول في امتعاض وبيأس رجل يتوق إلى خنق الديمقراطية إن سياسات الجامعة تجعلني أشتاق إلى بساطة الشرق الأوسط الشباب هم الأمل ومع قلنسوة العلم يغذو هذا الأمل قويا وفاتنا وبهالة الصحوة واليقظة لكن كيف الخروج يا كيسنجر من مأزق التناقض هذا والتباين الصريح الذي هو عليه بلد معتد بحداثة دستوره وبالقامة الفخرية لتمثال الحرية من جهة فيما ينتهج من جهة ثانية سياسة الظلم تجاه الإبادات المروعة كما الوقوف الداعم إلى جانب الديكتاتوريات والقتلة ألا تربكنا هذه الصورة المعقدة وتضع أميركا في مواجهة نفسها مجددا يصف تشارلز كولسون مستشار الرئيس الأميركي نيكسون هذه المواجهة بدقة شديدة الواقعية والفداحة وهو يحكي عن أحداث الاحتجاجات الطلابية عام 1970 حين نقل الرئيس إلى منتجع كامب ديفيد لمدة يومين واستدعي الجيش لحماية الإدارة من الطلاب الغاضبين ملأ أعضاء الفرقة الجوية 82 الطابق السفلي من مبنى الأجهزة التنفيذية وعندما نزل كولسون إلى أسفل لإجراء محادثات مع بعض الأفراد اضطر إلى المشي بين أولئك الجنود وهم راقدون على الأرض أو متكئون ومعهم خوذاتهم وأحزمة الخرطوش والبنادق جاهزة لحظتها فكر مستغربا لا يمكن أن تكون هذه الولايات المتحدة الأميركية ليست هذه أعظم ديمقراطية في العالم هذه أمة في حالة حرب مع نفسها واليوم ها هو التاريخ يعيد نفسه حيث تقف دول الغرب كلها لسوء سياستها المتحيزة إلى إسرائيل في مواجهة نفسها عند انتقال عدوى المظاهرات بأشكالها وصورها النضالية المشرفة إلى جامعات أخرى في دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا ففي غياب أية معارضة سياسية ذات مبدأ نبيل وطموح كوني ولو بدافع المصالح الوطنية وفي عصر يوصف بخلوه من المعنى برهنت الجامعة اليوم على أنها مثلما عبر الكاتب الهولندي هنري نويين سابقا أنسب مكان يؤهل المرء للمعارك في العالم لذلك ومن هذا الحرم الجامعي العتيد الذي يؤهل البشر لجعلهم إنسانيين وعقلاء مستنيرين وفي زمن الغيبوبة الأخلاقية هذه المرة أبدى هؤلاء الفتية والفتيات وهم يرتدون وجه فلسطين الناصع من خلال الكوفية والعلم كراهية واضحة ضد الخطابات المتعالية والعنصرية للغرب وسياسته الداعمة للقتلة الإسرائيليين كما دعوا مؤسساتهم إلى قطع كل شراكة مشبوهة وقد أظهروا في ذلك جانبا من التمرد المبهج المبهج بحق والقادر على إحداث كثير من الضجيج الساخط الضاغط الذي أتخيله يتحول عالميا إلى كرة ثلج لها القوة لتنسف وتوقف زحف هذه الحرب الفظيعة الباخعة في الجنون والاحتيال والقذارة

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح