خط التماس لسيلفي بايو معاينة حرب بوسائل بصرية مختلفة

١٥٨ مشاهدة
تستعير المخرجة الفرنسية سيلفي بايو 1967 ذاكرة فداء بزري لتراجع سنوات الحرب الأهلية التي عاشتها اللبنانية في طفولتها في لحظة شبابها تريد طي ذكرياتها المشوشة عنها جانبا والمضي في عيش بقية حياتها تدرك بزري تشارك المخرجة في كتابة السيناريو أن هذا لن يتم من دون مراجعة الماضي ومعرفة أسباب عيش سنوات من طفولتها في خوف وقلق يستدعيان للتخلص من آثارهما المؤلمة معرفة المتسببين بهما والسؤال عما إذا توصل بعضهم بعد أعوام على انتهاء تلك المرحلة إلى قناعاتها نفسها ضرورة طي صفحة الماضي الأسود بمراجعة صادقة ومصالحة حقيقية مع الذات قبل الآخر ليس سهلا إقناع من تورط في حرب أهلية وربما ارتكب فيها القتل على الظهور في فيلم وثائقي فكرة تبديد مخاوفهم من المشاركة تأتي بجرهم إلى لعبة تحريك دمى شكلت لتحاكي تاريخا وتجسد مواقع وأمكنة شهدت قتالا عنيفا بين الطرفين المتحاربين انقسمت بسببه بيروت إلى شرقية وغربية ولأن المجسمات المصغرة تحكي جانبا من تجربة الطفلة التي كانتها بزري حينها يغدو السؤال عمن يقف وراء تلك الفكرة المخرجة أم البطلة ليس مهما لأن خط التماس 2024 الفائز بجائزتي موبي لأول فيلم طويل واعد والسينما والشباب الأولى في الدورة 77 7 ـ 17 أغسطس آب 2024 لـمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي مبني على فكرة المشاركة واستعارة أفضل ما لدى كل طرف لبلوغ نتيجة نهائية واحدة وثائقي يستعيد سنوات الحرب الأهلية اللبنانية ويراجعها نقديا عبر ضحاياها والمتورطين فيها في الدمية التي تمثل وجودها طفلة صغيرة كانت فداء أوائل تلك الثمانينيات تذهب يوميا إلى مدرستها حاملة كتبها ودفاترها في حقيبة حمراء اللون تحملها على ظهرها ترى الدمية أهوال الحرب بعينيها ومع ذلك تجهل طويلا أسبابها تقترب من الموت أول مرة حين ترى رجلا ممددا على الأرض والدم يحيط جثته تتذكر وصف جدتها ما كان يجري حينها نار جهنم وانفتحت إلى مناطق غربي بيروت تذهب لتسأل سكانا فيها عن أماكن جرت فيها الأحداث وعما إذا عاشوها بأنفسهم بين مقابلة متورطين فيها وعرض مجسمات صغيرة دمى أمامهم لتحديد الأمكنة التي كانوا يقاتلون فيها ووجودها الآني المصور للتو يتحرك المسار الدرامي للوثائقي ويستكمل متنه الحكائي بتسجيلات أرشيفية تشكل صورة تاريخية تقريبية لسنوات شهد لبنان فيها انقساما سياسيا ببعد طائفي كل طرف فيه يحيل سبب ما يجري إلى الطرف الآخر ويبرر سلوكه بقناعات مغذاة بمفاهيم إيديولوجية ومسوغات أخلاقية عنوانها حماية العائلة والمنطقة والدفاع عن النفس من جهة تريد السيطرة والاستحواذ على المكان الذي يقيمون فيه وإبادة سكانه بعد نحو ثلاثة عقود على نهاية الحرب الأهلية 1975 ـ 1990 لا يزال المتورطون فيها يكررون العبارات نفسها ويبررون تورطهم فيها بالذرائع نفسها التي تحصنوا بها عند دخولهم إياها مدفوعين بقوة الإيمان بعدالتها مقابل قناعاتهم المستندة إلى فكرة توحش الآخر العدو تحتفظ فداء الطفلة بمشهد لم يفارق ذاكرتها يوم واجهت سلاح قناص من منطقتها يصوب نحوها تنظر في عينيه وينظر هو نحوها تتجمد أوصالها ولا تنطق بكلمة لم تفارق تلك النظرة المخيفة دواخلها إلى الآن تحملها أينما تذهب وتطرحها بصيغة واضحة أمام من جاء ليبين لها أن دوافعه للمشاركة في الحرب كانت لحماية سكان منطقته وأبناء طائفته خوفها من حماتها في الطفولة يسفه مفهوم العدو ويدفعها إلى المطالبة بإعادة النظر فيه تطرحه على من يقبل الكلام عن تجربته في الحرب أمامها وأمام المجسمات التي يتعاملون معها بعفوية تسهل وتمهد بوحا يظل مكتوما في الأنفس عقودا تلقي فداء طفولتها المجسدة بدمية حائرة وخائفة مما يجري حولها أمام مقاتلين من الأطراف كلها كلامهم يجلي صعوبة تخلصهم من قناعاتهم الأولى هذا يحمل في طياته استعدادا للتورط في حروب جديدة في مقابلات يتضح أن هذا يجري فعليا مقاتل من جنوبي لبنان معبأ بقناعات طائفية وسياسية لا يتردد في إعلان مشاركته في الحرب السورية بالقناعات نفسها التي كان يعرضها الماروني المسيحي أو اليساري المسلم في بداية الحرب الأهلية شهادات حية تفضح واقع بلد عالق في الحروب ما إن تنتهي واحدة حتى تظهر أخرى والذرائع جاهزة دائما لخوضها تسجل فداء الانتقالات السهلة للمتحاربين من موقع إلى آخر بدوافع سياسية ومنافع يجنيها تجار حروب قادرون على تحريك جماهيرهم بإشاعة الخوف في قلوبهم من آخر يحددونه وفق أجنداتهم السياسية هناك إحساس طاغ لدى المشاركين في الوثائقي من أن حماستهم الأولى متأتية من تحريض وتأليب ضد آخرين يجهلونهم لكن صور لهم أن استمرار بقائهم مرهون بتدميرهم بذكاء يمر خط التماس في مراحل تاريخية طويلة من دون إضاعة بوصلته المرشدة إليه في بحثه عن الكامن في المشهد العام من ميل إلى خوض حروب جديدة يسهل الترويج لها طالما أن هناك استعدادا مخفيا لها يراجع في 150 دقيقة ما جرى في الحرب الأهلية ويستنتج أن المشهد السبعيني لها يقارب الثمانيني بجوهره والأخير استمرار لما يروج له اليوم في حرب جارية مع عدو خارجي حرب يراد التستر بها على أهداف سياسية وطائفية أكبر من سابقاتها يجيز تحقيقها تدميرا للبلد وأهله مشهد خروج فداء في تظاهرة احتجاجية ضد فساد حكام بلدها وهي تضع علم وطنها على كتفها كأنها به تستبدل حقيبتها المدرسية التي تحملها يوم نشبت حرب أشاعت الخوف فيها وخسرت والدها وتركت الخسارة حزنا عميقا في أفراد عائلتها اليوم بوعي امرأة مشاركة في كتابة نص سينمائي مشحون بالعواطف ومشغول بوسائل تعبير بصرية عدة ومختلفة الأغراض تريد التخلص من تراكمات ذاكرتها الموجعة في مشهد ختامي يجمعها برجلين تتناقض مواقف أحدهما مع مواقف الآخر في زمن لم يكن يود أحدهما قتل الآخر يعبران أمامها عن ندمهما على تورطهما في حرب لا معنى لها اليوم بالنسبة إليهما لكن المفارقة في مشهد المصالحة مع الذات أن أحدهما لا يتفق مع قرارها بحرق الصور الفوتوغرافية التي تحملها معها وتسأل عن أشخاص فيها ومدى تورطهم في الحرب المخيفة التي عاشتها ولا تريدها أن تعود ثانية بين الأمنيات والرغبة الصادقة في التصالح مع الماضي هناك ما يشي في الوثائقي بهشاشة ديمومتها أو القبول بها طالما أن هناك في لبنان اليوم من يريد خوض حرب جديدة للذرائع القديمة نفسها التي تحصن بها مشعلو الحروب القديمة

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح