التطبيع من النافذة أو التكتيك الجديد للتطبيع
26 مشاهدة
| أمال لعروسي*
لم يعد التطبيع في العالم العربي مجرد خطوة سياسية تعلن عبر اتفاقات او لقاءات دبلوماسية بل تحّول إلى عملية أعمق تستهدف البنية التحتية للوعي الجماعيّ العام…
وبعض الأنظمة التي تتجه اليوم نحو التطبيع لم تعد تراهن على الخطاب الرسمي وحده بل انتقلت إلى مرحلة إعادة هندسة المخيال الجمعي عبر تفكيك الرموز التاريخية و إعادة تركيب معاني جديدة للصراع، و هذا المسار لا ينطلق من ميدان السياسة بل من ميدان الإدراك من الصورة ، من الخطاب، من اللغة ، من إعادة تعريف الضحية و إعادة تلميع الجلاد .
والخطوة الأولى في هذه العملية هي إنتاج ثوابت مختلقة وسرديات منظمة تصور الفلسطيني كعبء و القضية كمصدر إعاقة للتنمية و الاستقرار .
ويتم ذلك عبر تضخيم بعض الظواهر او عزلها عن سياقها، ثم تقديم الفلسطيني كفاعل عنيف و شيطاني بطبيعته، و ليس كشعب يواجه بنية استعمارية مفروضة عليه منذ عقود.
ولقد بدأ ذلك على نحو ما إثر نكبة 1948 بتحميل الفلسطينيين مسؤولية التغلغل اليهودي، ثم تفجر بصورة أكثر وضوحا بعد ذلك خصوصا إثر اغتيال يوسف السباعي في قبرص في 1978 حيث حُمّلت القيادة الفلسطينية زورا مسؤولية عدم التجاوب مع عروض السلام، و ذلك في إطار تبرير الاستسلام العربي للمطالب الصهيونية.
وركزت الثوابت الوهمية و السردية المختلقة على قلب الاعتبارات السياسية، لكي تتحول المقاومة من حق قانوني مثبت في القانون الدولي إلى تهديد للأمن، و يتحول الاحتلال من عدوان مستمر إلى أمر واقع يمكن التكيف معه …
وبالتوازي جري تبييض صورة شخصيات من الكيان عبر استضافتهم في منابر ترفيهية و ثقافية و إنسانية، في محاولة لإضفاء طابع عادي و محايد على وجودهم، و هذا ليس ترفا إعلاميا بل خطوة محسوبة لكسر الحاجز النفسي لدى الجمهور، وهو عمل بالغت بعض الفضائيات العربية في ممارسته.
وهكذا أصبح الآخر لا يتم تقديمه كعدو أبدا بل كجار محتمل و كشريك اقتصادي أو كشخص عادي لا علاقة له بمؤسسة الاحتلال، وهكذا يتم تذويب رمزية الصراع تدريجيا
ارسال الخبر الى: