التطبيع المحمود والتطبيع المنبوذ

حين تقود الأدْلَجة منطق التفكير، يغيب التفكير المنطقي، ويصبح العقل قاصراً عن إيجاد معايير سليمة في التعامل مع الظواهر السياسية المُحيطة به، ولعلّ قضية التطبيع مع إسرائيل خير دليل على ما نقول.

قبل بدء مفاوضات السلطة السورية الانتقالية الجديدة مع ممثّلي الكيان الإسرائيلي، كان الرأي المُستقر عليه في أوساط الإسلاميين هو إدانة كلّ أشكال التطبيع، بالنظر إلى الكوارث الإجرامية التي تسبّبت فيها إسرائيل للفلسطينيين، بما جرح ويجرح الوجدان الإسلامي، غير أنّ هذا الرأي سيعرف أزمة كبيرة مباشرة بعد إعلان الجانب السوري بدء مفاوضات أمنية مباشرة مع الإسرائيليين، إذ أدى ذلك إلى خلق جدال إسلامي-إسلامي عميق.

لقد سارعت بعض المنظّمات الإسلامية المقرّبة من أيديولوجيا الإخوان المسلمين إلى إعلان رفض تلك المفاوضات كما هو حال جماعة العدل والإحسان المغربية التي وصفت الخطوة بـالانحراف الخطير والخروج عن المبادئ الوطنية التي طالما رفضت التطبيع مع العدو الإسرائيلي تحت أي ذريعة، وهو اعتراف ضمني بدور نظام الأسد في مقاومة التطبيع، أمّا التنظيم العالمي للإخوان المسلمين فلم يعبّر إلى حدود اللحظة عن أيّ موقف من فتح مسار التفاوض السوري الإسرائيلي.

في الاتجاه المقابل؛ أي في ضفة الرأي المُساند للسلطة السورية، جرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي تبرير الخطوات الرسمية باعتبارها تخدم المصلحة العامة الوطنية للنظام الناشئ حديثاً، وأنّ موازين القوة لا تحفّز على مواجهة عسكرية مباشرة بسبب اختلال التوازن بين الطرفَين (السوري والإسرائيلي)، وجرى في هذا السياق إلباس الرئيس السوري الجديد (أحمد الشرع) ثوب الزعيم الحكيم الأقدر على فهم وحماية مصالح السوريين وتجنيبهم سنوات القمع والقهر الأسدي، كما جرى في إطار التبريرات استدعاء نصوص من القرآن وصور من التاريخ الإسلامي لإبرام اتفاقيات بين المسلمين واليهود (صلح الحديبية مثلاً).

تبرير التطبيع، سواء حدث أو لم يحدث، يبقى خطيراً ومفاجئاً

لقد رافق هذا الجدل المجتمعي العربي جدل إعلامي آخر، تمثّل في تناسل العديد من التصريحات المنسوبة للرئيس السوري، التي تزكّي فرضية التطبيع الوشيك، كما نُسبت للرئيس أيضاً تصريحات إعلامية أخرى يتبرّأ فيها من جميع التنظيمات الإسلامية بكلّ تلوّناتها، ومن