التضليل قد يكون قاتلا من المنشورات إلى الجريمة
تؤكد دراسات عدة في مجال التضليل المعلوماتي أن نظريات المؤامرة والسرديات الزائفة التي تنتشر عبر الإنترنت لا تقتصر آثارها على تشكيل الرأي العام، بل يمكن أن تؤدي أيضاً إلى تسريع دوائر العنف والقتل. استخدم العلماء في هذه الدراسات خوارزميات متقدمة، وقواعد بيانات ضخمة، وأنظمة تتبّع رقمية، مكّنت الباحثين من توثيق مسارات قابلة للقياس تبدأ بالتضليل الرقمي، وتنتهي بأفعال عنيفة على أرض الواقع.
عام 2024، أصدرت جامعة كورنيل الأميركية دراسة شملت 36 نظرية مؤامرة متداولة على الإنترنت. خلصت النتائج إلى أن الاهتمام المتزايد بالنظريات العنصرية ارتبط بزيادة بلاغات جرائم الكراهية بعد فترة تراوحت بين أسبوعين وثلاثة أسابيع. وقال الباحث الرئيسي إن وسائل التواصل الاجتماعي تتحوّل من سوق للأفكار إلى قناة مباشرة نحو العنف. ووفق ما أورده موقع التحقق مسبار، تُظهر الدراسة أن السرديات المضللة تبدأ عادةً داخل مجتمعات إلكترونية هامشية، ثم تنتقل عبر المنصات الكبرى بفضل الخوارزميات، لتصل في النهاية إلى أفراد لديهم قابلية أكبر للتأثر بالرسائل المتطرفة. هذا النمط من الانتشار يجعل التضليل الرقمي أشبه بفيروس، يبدأ صغيراً ثم يتسع نطاقه حتى يترك آثاراً ملموسة في الشارع.
في العام نفسه، نشرت مجلة نيتشر دراسة لعدد من الباحثين الإسبان حلّلوا خلالها سجلات الشرطة إلى جانب بيانات مواقع التواصل الاجتماعي. أثبتت الدراسة وجود ترابط مباشر بين خطاب الكراهية على الإنترنت وجرائم الكراهية المبلّغ عنها. النتائج لم تكن عرضية: ظهرت ارتباطات قوية على المستويات اليومية والأسبوعية والشهرية. كما أظهرت النماذج المعتمدة على التعلم الآلي قدرة على التنبؤ بما يصل إلى 64% من موجات جرائم الكراهية، اعتماداً على مؤشرات لغوية مثيرة للانفعال جُمعت من منصات مثل فيسبوك وإكس. في ألمانيا مثلاً، ربطت دراسة لمؤسسة WZB للعلوم الاجتماعية بين ارتفاع خطاب الكراهية ضد اللاجئين عبر فيسبوك وزيادة الاعتداءات الميدانية على مراكز إيواء اللاجئين. أما في ميانمار، فقد وُجّهت اتهامات مباشرة إلى منصة فيسبوك بدعمها ــ عبر تراخيها في ضبط خطاب الكراهية ــ حملات التحريض ضد أقلية الروهينغا، التي انتهت بمجازر وتهجير جماعي.
يتجاوز تأثير
ارسال الخبر الى: