التراجيديا الفلسطينية في 77 عاما وأربعة أفلام وإشارة إلى خامس
25 مشاهدة
77 عاما والنكبة الفلسطينية مستمرة أشكالها متنوعة لكن المشترك في تلك الأشكال كامن في إبادة إسرائيلية تتفنن في ابتكار أساليب جديدة للقتل والتدمير في كل مرة رغم هذا لا تزال السينما الفلسطينية أولا والعربية والأجنبية ثانيا غير متمكنة من إيفاء المسار التراجيدي للإنسان الفلسطيني في سيرته تلك لحظات لاحقة تكمل تلك النكبة والسينما تجهد في استيعاب الحاصل والجرائم ضد الفلسطينيين في البلاد المحتلة وخارجها تحديدا في لبنان باقية في ذاكرة فردية وجماعية واشتغالات توثيقية وتحليلية وتفكيكية تقول شيئا من أحوالها وتفاصيلها غالب الظن أن اختيار أفلام تعاين النكبة واللاحق عليها في 77 عاما غير صعب فالأفلام قليلة قياسا إلى حجم الخراب الموثق رسميا في 15 مايو أيار 1948 من دون تناسي السابق على هذا التاريخ والحاصل بعده ولعل فرحة 2021 للمخرجة الأردنية دارين ج سلام يبقى آخر تجربة سينمائية تستعيد تلك اللحظة عبر عيني مراهقة كرم طاهر تحدق في أهوال الخارج هي المختبئة في قبو بانتظار عودة والدها أشرف برهوم إلى المنزل النكبة في الفيلم مروية بسلاسة وهدوء وثقب أو أكثر في القبو يمنح المتابع المتابعة شعورا بأن قتلا يجري في الخارج والأصوات تؤكد هذا والكاميرا راشيل عون تتحول إلى عيني فرحة القابعة في ظلام يعينها على اكتشاف الجريمة ليس كجريمة مباشرة فقط بل كفعل متكامل تصنعه سلام في متخيل ينبثق من واقع الحكاية ومأساة ناسها فـفرحة غير معني بتصوير النكبة وتفاصيلها الواضحة لالتزامه البصري مشاعر فردية في مواجهة تلك اللحظات القاهرة والنهاية معلقة فلا الأب عائد ولا مسار المراهقة معروف ولا البلدة الصغيرة واضحة ملامحها ولا البلد ظاهر المعلق في نهاية فرحة كاف ليقول أكثر من المروي مع أهمية المروي في 94 دقيقة وإذ يجهد الفيلم سينمائيا في سرد واقع يبقى أداء كرم طاهر تحديدا أصدق تمثيل لهذا الواقع ولمعنى مواجهة مراهقة خرابا غير موصوف لشدة عنفه فالسرد ـ المختزل بحكاية ابنة تعيش مع والدها والعم علي سليمان الذي يحاول إقناع شقيقه بضرورة تسهيل أمور الصبية الراغبة في العلم والمعرفة خارج تلك البلدة ـ يكشف عيشا عاديا في بلدة عادية قبل التحول الخطر الذي سيكون نكبة لها عناوين عنفية ودموية لاحقة العنوان الآخر الذي يحضر في مناسبة كهذه يتمثل بـباب الشمس 2004 للمخرج مصري يسري نصر الله المقتبس من رواية بالعنوان نفسه 1998 للبناني إلياس خوري المشارك في كتابة السيناريو مع نصرالله واللبناني محمد سويد رواية توثق أدبيا سردية فلسطينية غير مكتفية بالنكبة وما قبلها وما بعدها لتمكنها من تعرية أفراد في مشاعر وعلاقات وأحلام وخيبات ينقلها نصرالله إلى فيلم بجزأين يحول الكلمات إلى صور ويمنح القارئ مساحة أوسع لمزيد من تخيل وقائع وتفاصيل فالرواية بتوغلها في ذوات وأرواح أثناء سردها الحكاية الفلسطينية تجد في الفيلم امتدادا لنصها الأدبي المتحرر من سطوة المفردات لأن قوة الصورة تكشف تاريخا بل تعيد سرد تاريخ بلغة فلسطينية صافية وصادقة الاشتغال السينمائي في باب الشمس يعيد التقاط وقائع النكبة عبر قصة حب وسيرة هجرة ورغبات أفراد وخيبات أناس يحاولون إيجاد منفذ لراحة مرجوة من دون أن يتخلوا عن أمل عودة مرغوب فيها الجهد المبذول في تحويل الرواية إلى فيلم وهذا غير سهل لأن الرواية مليئة بتفاصيل ومسارات يبلغ الجهد مرتبة رائعة في إعادة تصوير لحظة النكبة وما بعدها وما قبلها عبر المروي والمتخيل معا فالمروي تاريخيا أو كحكايات فردية يمكن المتخيل من جعل النص المكتوب صورا متتالية تعكس ما يصبو إليه الياس خوري في كتابته وما يريده يسري نصرالله في ابتكاره تلك الصور السينمائية فيلم ثالث يستعاد في الذكرى الـ77 لنكبة فلسطين طنطورة 2022 للإسرائيلي آلون شفارتس وثائقي يستند إلى بحث أكاديمي لتيودور تيدي كاتس المختص بـرحيل هجرة جماعية للعرب من قرى السفح الجنوبي لجبل الكرمل قسم تاريخ الشرق الأوسط بجامعة حيفا فالمجزرة الحاصلة في تلك البلدة الفلسطينية ليل 22 ـ 23 مايو أيار 1948 تشكل فقرة أساسية في سلسلة المجازر الإسرائيلية المنبثقة من نبكة فلسطين مباشرة والبحث الأكاديمي أطروحة جامعية تناقش أواخر 1999 بعد نحو 18 شهرا على تسجيلها البحث نفسه يستند إلى خلاصة لقاءات كاتس مع نحو 200 جندي في لواء ألكسندروني بعضهم يرتكب المجرزة وآخرون يشاركون فيها أو يشهدون وقائعها الوثائقي يستعيد البحث الأطروحة ويلتقي كاتبها ويحصل منه على أشرطة الكاسيت المسجلة قبل 20 عاما على بدء تحقيق الفيلم والمشاركون في تلك اللقاءات ينتمون إلى جيل واحد فهم في السبعينيات من أعمارهم عند التسجيل في منتصف تسعينيات القرن الـ20 يمكنك أن تأخذ الأشرطة وتستمع إليها لكن إذا كنت تريد أن تصنع منها فيلما فانتبه لأنهم سيلاحقونك كما لاحقوني يقول تيدي لشفارتس العربي الجديد 5 أغسطس آب 2022 وهؤلاء إذ يروون أفعالا لهم ومشاهدات يقرون ضمنا ومباشرة بجرم يحاولون تجميله وتجميل أسبابه ورواياتهم تبدو أمام الكاميرا كأن الجرم حاصل الآن فلا ندم ولا تراجع بل محاولات طفيفة لتبرير وتفسير لكن تذكر النكبة سينمائيا غير مكتمل من دون الزمن الباقي 2009 للفلسطيني إيليا سليمان فرغم استناده إلى سيرته وحكاياته الشخصية في صنع أفلامه يلتقط سليمان لحظة النكبة في الزمن الباقي بسينمائية مذهلة في تمكنها البصري من مزج وقائع خراب وجمال صورة فالأهم في سينما سليمان كامن في أولوية الصورة والواقع المتحولين معه إلى متتاليات تقول شيئا من أهوال بلغة محببة وكاشفة وصادقة بالتزامها السينما أولا الاكتفاء بالأفلام السابقة لا يلغي أفلاما أخرى تستمد من لحظة النكبة مادة سينمائية روائية ووثائقية أو تستعيد جرائم إسرائيلية مرتكبة بعد النكبة ومنها كفرقاسم 1974 للبناني برهان علوية مجزرة يرتكبها جنود إسرائيليون في 29 أكتوبر تشرين الأول 1956 بحق 49 مدنيا فلسطينيا من أبناء قرية كفرقاسم 18 كلم شرق مدينة يافا بينهم 23 طفلا ومراهقا دون الـ18 سنة وهذه نكبة أيضا