التدمير الذاتي للشعوب حين يتحول المنصب إلى أداة هدم

لا تُدمَّر الشعوب دائمًا على أيدي أعدائها، فالأخطر والأشد فتكًا هو التدمير الذاتي الذي يبدأ من الداخل، حين تُدفع الأوطان نحو الانهيار بأيدي بعض أبنائها، وتحت غطاء المناصب القيادية والشعارات البراقة.
لقد أثبتت التجارب أن من أخطر وسائل هدم الدول تصعيد أشخاص إلى مواقع القرار وهم في حقيقتهم أدوات هدم لا بناء؛ قيادات تفتقر إلى الرؤية، ويغيب عنها الوعي الوطني، أو تُدار قراراتها وفق مصالح ضيقة أو توجيهات خارجية. عندها يتحوّل المنصب من أمانة وطنية إلى معول يضرب أسس الدولة.
هؤلاء لا يدمّرون الأوطان بالصدام المباشر، بل يعملون على هدمها ببطء وبمنهجية واضحة: تفريغ القيم من مضمونها، تشويه الوعي الجمعي، بث الإحباط وفقدان الثقة، تحويل الاختلاف إلى صراع، وإضعاف مؤسسات الدولة من الداخل. والأخطر من ذلك أن هذا المسار التخريبي يُسوَّق كثيرًا على أنه إصلاح أو تحديث أو إنقاذ، بينما هو في حقيقته تفكيك ممنهج للدولة والمجتمع.
في الحروب الحديثة، لم تعد الأسلحة التقليدية وحدها أدوات التدمير، بل أصبحت العقول هي ساحة المعركة الأهم. ومن أخطر أسلحة هذه الحروب زرع أو تمكين قيادات فاقدة للوعي الوطني، تُصدر قرارات مرتبكة، تُعطّل الرؤية، وتحوّل القضايا المصيرية إلى أزمات دائمة.
إن وجود مثل هذه القيادات يشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي؛ فهي تضرب ثقة المواطن في دولته، تستنزف طاقة المجتمع في معارك جانبية، تُربك مسار اتخاذ القرار، وتُضعف قدرة الدولة على الصمود والتماسك. وحين تُهزم الشعوب في معركة الوعي، تُفتح الأبواب للهزيمة في سائر المعارك الأخرى.
ولذلك، فإن حماية الأوطان لا تبدأ من الحدود، بل تبدأ من تعزيز الوعي، ومن القدرة على التمييز بين القائد الحقيقي وأداة التدمير، ومن إعلاء معايير الكفاءة والانتماء والمحاسبة، وإتاحة الفرص العادلة للجميع.
وفي هذا السياق، يبرز النموذج الإيجابي لقيادة الدولة في مدينة المخا، التي تستحق التحية والتقدير على ما حققته من خطوات واضحة في تطوير البنية التحتية، والاهتمام بقطاعي الصحة والتعليم، باعتبارهما الركيزة الأساسية لرفع الوعي وبناء الإنسان، وتعزيز روح المواطنة والانتماء للوطن لا للأشخاص.
كما يُحسب لهذه
ارسال الخبر الى: