حادث البيانو وسائل التواصل الاجتماعي في شبكة السخرية والعبث
يصنع الفرنسي كونتان ديبيو الذي تصل غزارته الإنتاجية في الأعوام الأخيرة إلى فيلمٍ أو فيلمين في السنة، أعمالاً تنهج المنوال نفسه، وترتكز على نصّ سينمائي عن فكرة مُبتكرة، مُحمّلة بنقد ساخر لأخلاق العصر، وظواهر العالم المعاصر الكثيرة والغربية، تُجسّدها شخصيات غير عادية، تمزج بين كونها واقعية وعجائبية وأسلوب إخراجي يتّسم بالعبث والفكاهة، ويُميّزه عن سائر المخرجين الفرنسيين.
في حادث البيانو (2025)، يُصوّب سهامه نحو مؤثّري وسائل التواصل الاجتماعي. ومع أنه ينطلق من حالة واقعية، لا يهتمّ بمعالجتها، كما دأبت السينما الواقعية على فعله. لا يُجسّد الواقع بصورته الحقيقية، بل يتناوله بخفّة وفكاهة ولامعقولية. هنا، لا يختار مؤثّراً بمواصفات منتشرة كالوباء على وسائل التواصل الاجتماعي، ليبني عليه فيلماً أخلاقياً جدّياً ومُندّداً، لا يرسمه بصورته المتعارف عليها، بل يميل في ذلك إلى المبالغة الساخرة، التي تبلغ حدّ العبث، ما يثير مشاعر صادمة أكثر. بعض الجمهور يكتفي بخفة الفيلم ومتعته. ينساه بمجرّد مُشاهدته. بعضٌ آخر يدفعه إلى تأمّل أعمق بعالم مُزيّف، يثيره الأسلوب غير العادي لديبيو في التعامل مع أمر غير عادي، بات جزءاً من واقع الناس.
تُقدَّم ماغالي (أديل إكزاركوبولس)، من البداية، فتاةً فظّة، لا تحترم الشخص الذي معها. تعامله كجرو يتبعها ويحقّق لها نزواتها العجيبة. لا يفصح الفيلم مباشرة عن الشخصيتين وعملهما، وعما إذا هما رفيقان أو زوجان أو أب وابنته. احتمالات وتوقّعات تفسّر فظاظة الفتاة بذراعها المكسورة، وعرجها القليل. مع كشف تدريجي، يتكئ على حوارات وعودة إلى الماضي بين مشهد وآخر، تتبيّن أن الفتاة مؤثّرة على وسائل التواصل، وتتمتّع بخاصية متفرّدة تجعلها من الأغنى والأشهر. ببلوغها 14 عاماً، بدأت ماغالي تنتبه إلى تأثير المؤثّرين. للمصادفة، ولدت في السنة نفسها لظهور الإنترنت، فباتت نجمة ويب، تجني ثروة طائلة من نشر محتوى صادم. تُعرِّض نفسها لصدمات: آلات حادة تجرحها، عجلات شاحنة تدعسها، نيران تحرقها. تُصوّر الحدث. هي لا تشعر بالأوجاع مهما تكسّر جسدها أو احترق. أصبحت شخصية عامة غامضة، بعد حادث خطر في موقع تصوير أحد فيديوهاتها العجيبة، إذْ تلقّت ضربةً
ارسال الخبر الى: