تكشف وقائع مطلع الأسبوع عن واحدة من أهم المعضلات التي تواجه إسرائيل كونها نشأت عن ديانة تحولت إلى قومية وهذه حالة شاذة في تاريخ السياسة والاجتماع ولا نكاد نجد مثيلا لها سوى في حالة نشوء دولة باكستان منتصف القرن المنصرم فكلتا الدولتين نشأتا على أساس ديني لا قومي وعلى العسكرة قبل المجتمع وأن يأتي رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ليتحدث بعد أزيد من سبعة عقود عن أن إسرائيل دولة لها جيش وليست جيشا له دولة فإنما ليعلن أول انقلاب على الجيش في العرف السياسي الإسرائيلي الذي منح الجيش تاريخيا حصانة لم تحظ بها أي مؤسسة أخرى وظل ينظر ويتعامل مع العسكر والجنرالات بتوقير لا يحظى به الساسة أيا كانوا ما لم يجمعوا في ماضيهم مجدا عسكريا يضاف إلى عملهم السياسي لم يأت الجيش الإسرائيلي شيئا إدا حين أعلن الناطق باسمه أفيخاي أدرعي وهو شخصيا أقرب إلى المهرج منه إلى الناطق العسكري تعليقا للأعمال العسكرية محدودا في مدينة رفح لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية لكن ردة فعل نتنياهو كانت من الغلظة بمكان بحيث بدت كأنها رد عسكري بأسلحة ثقيلة ومفادها أن على الجيش أن يعرف حدوده ولا يتجاوزها وأن عليه أن يخضع للمستوى السياسي رغم أن الجيش يتمتع ببعض الصلاحيات في ما يتعلق بالعمل الميداني تجيز له عدم الرجوع إلى المستوى السياسي بمن فيه وزير الدفاع نفسه منذ السابع من أكتوبر والخلاف يتصاعد بشكل غير مسبوق على الإطلاق بين نتنياهو والجيش لا على خلفية الإخفاق في ردع حماس ومنع هجماتها بل لأسباب محض شخصية تتعلق بمصير رئيس الوزراء السياسي الذي سعى منذ اليوم الأول لهجمات أكتوبر المجيدة إلى وضع الجيش والمؤسسات الأمنية تحت ضغط تحمل المسؤولية كاملة وعليه بالتالي أن يذعن وأن يدفع أثمان أي خلاف سابق معه ومنها أن الجيش والمؤسسات الأمنية عارضت بشكل معلن التعديلات القضائية التي كان يعتزم نتنياهو إقرارها وكادت تودي به وتنهي مستقبله السياسي ولم تقتصر محاولات نتنياهو إهانة العسكر وترويعهم بفزاعة التقصير في منع هجمات أكتوبر على الجنرالات الحاليين بل شمل السابقين أيضا ممن انضموا إلى حكومة الحرب المصغرة بيني غانتس وغادي آيزنكوت وشملت من يفترض أنهم حلفاؤه والأعضاء في حكومته وحزبه الليكود يوآف غالانت بمعنى أنه يخوض حربا لا تستثني أحدا من المؤسسة العسكرية التي عليها أن تدفع الثمن لينجو هو وهو ما لم يحدث في تاريخ إسرائيل كله حيث بنيت العلاقة بين المستويين السياسي والعسكري على تغليب العسكر وإن بشكل غير رسمي وغير معلن ما جعل من المؤسسة العسكرية بقرة مقدسة تعبد وتنحني لها الجباه والرقاب يعود ذلك إلى طبيعة نشوء إسرائيل والدور الحاسم الذي لعبته المليشيات العسكرية في احتلال فلسطين وإلى جمع رؤساء الوزراء الأوائل لمنصبي رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع في الوقت نفسه بن غوريون ليفي أشكول أو أن رؤساء الوزراء الآخرين قادمون من المؤسسة العسكرية أو العصابات المسلحة مثل الهاغاناه وشتيرن وسواهما إيغال آلون مناحيم بيغين إسحق شامير شمعون بيريز وصولا إلى حقبة وزراء الدفاع الذين وصلوا إلى رئاسة الوزراء إسحق رابين إيهود باراك أرئيل شارون وباستثناء رئيسي الوزراء موشيه شاريت وولايته كانت قصيرة في مطلع الخمسينيات وغولدا مائير فإن كل رؤساء وزراء إسرائيل كانوا ذوي صلة بالجيش أو العسكريتاريا على نحو أو آخر قبل بنيامين نتنياهو ومن تولى المنصب بين فترات توليه رئاسته للوزراء وهم إيهود أولمرت ونفتالي بينيت ويئير لبيد وربما يفسر هذا جزءا من سحر الصورة التي اقترنت بعسكر إسرائيل التي يقوم نتنياهو بتكسيرها أو على الأقل يعيد إنتاجها بغلظة يتمحور خلاف نتنياهو مع الجيش والساسة القادمين من بين صفوفه في محاولاته ترحيل أزمته السياسية إلى الأمام وتحميل العسكر المسؤولية عن ذلك كما يشمل الخلاف ما يوصف باليوم التالي وتحديد أهداف الحرب ومستقبل غزة والضفة الغربية بالضرورة ولا يبدو أن ثمة توافقا بين الجانبين في الأفق المنظور على الأقل ويعتقد أن نتنياهو سيخسر في نهاية المطاف حربه على البقرات المقدسات فلا العسكر ولا الأميركيون يرغبون بإهداء أي نصر من أي نوع لنتنياهو وكذلك حماس أيضا