البعد النفطي في سياسات ترامب

33 مشاهدة
كنت أنظر في بعض الأرقام عن الإنتاج النفطي السعودي ووجدت أن موقع ستاتيستا Statista أصدر في عام 2024 أن المملكة زادت إنتاجها النفطي إلى 13 39 مليون برميل في اليوم خلال عام 2023 مقارنة بمقدار 12 19 مليون برميل في العام الذي سبقه ويؤكد التقرير أن السعودية زادت إنتاجها من النفط بين عامي 1998 و2023 بمعدل مليوني برميل في اليوم كما يؤكد التقرير أن المملكة فاق إنتاجها في فترات الذروة 13 مليون برميل خلال العام الماضي 2024 وفي تصريح للرئيس الأميركي دونالد ترامب ظهر فيه على شاشات التلفزيون الأميركية يوم الجمعة الماضي قال فيه إنه تحدث مع الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة حيث عبر الرئيس الأميركي عن سروره بقرار السعودية استثمار 600 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي ولكنه طالب بزيادة هذا الرقم إلى تريليون دولار 45 من الناتج المحلي ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل طالب أيضا بأن تقوم السعودية بزيادة إنتاج النفط لأن سعره بلغ حوالي 78 5 دولارا للبرميل في ذلك اليوم كان في رأي الرئيس الأميركي مرتفعا وشدد على هذه النقطة والآن السؤال هو لماذا ولماذا السعودية بالذات السبب الظاهري الأول لهذا الطلب هو أن علاقة الرئيس دونالد ترامب بالمملكة العربية السعودية قوية ومن الواضح أن نجاح ترامب بالفوز بالرئاسة الأميركية للسنوات الأربع القادمة هو خبر جيد بالنسبة للمملكة ويأمل كل طرف في تحقيق علاقة مربحة للطرفين فالرئيس ترامب لا يخفي رغبته في المال والمملكة تريد أن تؤكد دورها ونفوذها في الشرق الأوسط وأن تحظى بالدعم الأميركي أما السبب الواضح الثاني فهو أن السعودية من أكبر منتجي النفط في العالم ولديها احتياطي كبير مثبت ومن مصلحة الاقتصاد الأميركي خفض الأسعار ووفقا لحسابات الإدارة الأميركية فإن ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية سوف يؤدي إلى ارتفاع تلك الأسعار داخل الاقتصاد الأميركي نفسه ناقشنا في مقال سابق هنا أن سياسة ترامب برفع الجمارك على المستوردات وزيادة الدعم للصناعات الأميركية لتعود إلى الولايات المتحدة من الخارج ما يجعل هذا الدعم تمويلا بالعجز Deficit Financing وكذلك إخراج العمال المهاجرين غير الحاصلين على تصاريح سوف تؤدي إلى رفع لمستوى الأسعار إذن فهو يريد أن يقلل من أثر النفط على ارتفاع الأسعار حتى لا يضطر إلى رفع أسعار الفائدة ثانية ولأنه أيضا وعد الناخب الأميركي بتخفيض غالون النفط إلى 1 85 دولار وهذا أمر مستحيل بالقياس إلى كلفة استخراج النفط الأميركي والسبب الثالث الذي لا يذكر فهو أن زيادة إنتاج السعودية من النفط ستدفع المنتجين المقاطعين من الولايات المتحدة مثل إيران وروسيا إلى تقليص أسعار نفطهما الذي يباع جزء منه في الاقتصاد الدولي غير الرسمي بأسعار تشجيعية لكي يحافظا على أسواقهما وإن حصل ذلك فهذا يعني أن دخل هاتين الدولتين وغيرهما سوف يتراجع وهو أمر يعطي ترامب كارت إضافيا للعبة القمار التي يمارسها في التفاوض مع روسيا ولكن هناك بعض الحقائق الأخرى التي قد تتناقض مع المصلحة الأميركية كما يراها ترامب ومنها على سبيل المثال أن الصين هي من أكبر المشترين للنفط فإذا زادت السعودية ومن ثم أوبك فإن الإنتاج سوف يفيد الصين ومن المقرر حسب رزنامة الاجتماعات أن تعقد أوبك اجتماعها العادي المقبل في شهر مايو أيار من هذا العام وإذا قررت زيادة الإنتاج فإن الصين ستحقق مكسبا مهما من ضغوط ترامب فهل هذا الأمر يقع ضمن سياساته غير المعلن عنها أم أنه يريدها ورقة ضغط على الصين في المستقبل وهناك نقطة أخرى تستحق التأمل وهي أن من صميم السياسات التي ركز عليها ترامب في حملته الانتخابية هو زيادة الإنتاج من الطاقة الأحفورية في الولايات المتحدة لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم ما يضمن لها دوام الاعتماد على الذات من ناحية بل ويمكنها من التصدي والمنافسة في الأسواق العالمية ولكن الوصول إلى هذا الأمر يتطلب استثمارات في البنى التحتية ووقتا حتى يحصل فهل من صالح هذا الهدف النفطي أن تهبط أسعار النفط حاليا لا بد وأن في الأمر لغزا محيرا ولعل تفسير بعض التناقضات في السياسة الأميركية التي تتبعها الإدارة الحالية ناتج عن أن الرئيس الحالي يأخذ كل هدف من أهدافه الشمولية واحدا واحدا دون الالتفات إلى التناقض فيما بينها وهذا عادة ما يحصل بحكم طبيعة اتخاذ القرارات بهذه السرعة والعشوائية ولذلك بدأ ينشط كثير من الاقتصاديين المرموقين في كتابة المقالات والبحوث التي سنرى المزيد منها خلال هذا العام والأعوام القادمة والتي قد تشكل ضغوطا عليه لإعادة النظر في بعض هذه القرارات وتشير سياسة الإدارة الحالية أيضا وفقا لتنفيذ الشعارين الأساسيين وهما أميركا أولا ولنجعل أميركا عظيمة ثانية إلى أنه يسعى لتأكيد نفوذه العالمي مستغلا الاقتصاد سلاحا قويا ضد خصومه من أجل إضعافهم وهو يسعى بالتفاوض إلى تقليم أظافر منافسيه مثل الصين وأوروبا وروسيا أو إلى جعلهم يدفعون ثمنا باهظا مقابل إمساكه عن معاقبتهم وهو يريد من أوروبا أن تدفع حصصا أكبر في الكلف الدفاعية التي يتكبدها حلف الشمال الأطلسي الناتو وأن تمول القواعد العسكرية الأميركية في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان ولكي يضمن ذلك فهو يريد أن يلتقي بالرئيس الصيني شي جينبينغ وبالرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون والسبب أنه يسعى للوصول مع الجانبين إلى تفاهمات خاصة بعد الذي حصل في كوريا الجنوبية وخلع رئيسها وتغييره ما قد يضعف من موقفها حيال نصف كوريا الشمالي أما بالنسبة للصين فهو يريد أن يصل معها إلى توافقات خاصة فيما يتعلق بموقفه من تيك توك والذي أكسبه رفع الحظر عنها تأييدا لدى الشباب شريطة أن يسمح لأميركا بالمساهمة في رأسمالها إذا فهو يتعامل مع الحليف القوي له السعودية أو مع خصومه الصين وكوريا الشمالية وروسيا وإيران وغيرهم بمعايير متشابهة فهو يضغط عليهم باتخاذ مواقف مسبقة أو إطلاق تصريحات نارية بأسلوب استعراضي مدروس ليعطي تلك المواقف مصداقية ثم يبدأ بالتفاوض مذكرا إيانا تماما بأسلوب دون كورليولي في فيلم العراب وهو أن تعطي الخصم عرضا لا يمكن رفضه ولما سئل ما هو هذا العرض غير القابل للرفض قال خيره بين أن يوقع على الورقة التي أريد توقيعها أو أن يسال دمه على تلك الورقة وربما يحتج الكثير على هذا التشبيه ولكنه صحيح من حيث الأسلوب ومن الممكن أن يكون للرئيس ترامب نوايا قومية تبرر أساليبه المافياوية ولكن العالم ليس مسرورا بها فماذا سيفعل حيال أوروبا أغفل الحديث منذ استلم الرئاسة يوم العشرين من هذا الشهر عن نيته شراء جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك والتي يريد شراءها حتى يمنع حراس البيئة من وقف التنجيم عن المعادن النادرة الضرورية لصناعة السوبر تشيبس والتي تحتكر الصين إلى حد كبير إنتاجها ولكنه سيعود إلى التفاوض مع الدنمارك لأن فيها أيضا معادن مهمة جدا قادرة على تحمل درجات مرتفعة من الحرارة مثل الاتريوم وسكانديوم نيوديميوم وغيرها لا شك أن الإدارة العليا للمملكة العربية السعودية سوف يمارس عليها الضغط من هذه الإدارة لكي تلبي بعض المطالب الأساسية ومن أهمها استثمار تريليون دولار وإذا أتت هذه الأموال من الودائع والمحافظ المالية السعودية في أميركا فإنها ستتحول آليا من ديون على أميركا إلى استثمارات رأسمالية فيها في الحالة الأولى أو الاستثمارات والمحافظ فإن العائد مضمون أما في الاستثمارات المباشرة الأخرى فإن تحقيق الربح سيتعرض للمخاطرة ويريد منها أن تزيد إنتاجها النفطي وتقلل من أسعارها علما أن نتيجة قرار كهذا غير مضمونة داخل أوبك وأن مرونة الطلب قد تكون متدنية ما يجعل تخفيض الأسعار ينطوي على خسائر في دخل المملكة من بيع النفط وأنا واثق في أن المسؤولين في السعودية يدركون هذا تماما ويريد منها أن تطبع مع إسرائيل وهذا أمر لا ترفضه المملكة من حيث المبدأ ولكنها تريد أيضا ضمانات بأن القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين تسير على الطريق الصحيح برعاية أميركية وأن أميركا ستقف بالمرصاد للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة وبخاصة اليمن وأن السعودية ستبقى لاعبا أساسيا في السياسة الإقليمية

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح