البروكار الدمشقي المحتضر

76 مشاهدة

في دمشق القديمة، حيث الأزقة الضيقة تحيط بها الجدران الطينية العتيقة، لا يزال صدى دقّات الخشب من النول اليدوي يرنّ خافتاً في أركان بعض الورش.

قد تمرّ بسرعة ولا تلاحظ، لكنه في الحقيقة موجود. يشهد على حرفة عمرها قرون وعلى تاريخ مدينة لم تتوقف روزنامته عن المشي رغم كلّ الأزمات. هذا الصوت هو البروكار الدمشقي، القماش الفاخر الذي جمعَ بين الحرير والخيوط الذهبية أو الفضيّة، ليصنع قطعة من الفن كما يصنعُ المجتمع نسيجه الخاص من تنوعه وتاريخ أفراده.
البروكار ليسَ مجرّد نسيج، بل هو مرآة للمدينة والمجتمع، كل خيط فيه يرمز إلى صبر الحرفيين ودقة أيديهم، تماماً كما يرمز كل فرد في المجتمع السورّي إلى قطعة من الوطن. منذ مئات السنين، كانت دمشق مشهورة بالبروكار، وكانت أنوالها تملأ الأسواق، وتزور القطع العالم كله. في العهد الأموي، كان البروكار يُنسج للقصور، وفي العهد العثماني كان يُهدى للسلاطين. كان يُستخدم في الأثواب الملكية، والستائر الفاخرة، وحتى في تغليف المصاحف والمخطوطات. لكن اليوم، الحرفة تكاد تصبح شيئاً من الماضي، كما يكاد التماسك المجتمعي يتبدّد، بعد سنوات الحرب والنزوح والاختلافات.
وفي تقارير لمنظمات دولية، ذُكر أن سورية فقدت خلال العقد الأخير أكثرَ من نصف سكانها بين نزوح ولجوء وهجرة. هذا الرقم الصادم يوازي في لغة البروكار أن ينقطع نصف الخيوط من النول. فكيف يمكن للنسيج أن يستمرّ متماسكاً؟
في هذا الواقع الممزق، تبرز بعضُ الأسماء لتثبت أن النسيج لم يمت بعد... يواصل أحمد الشكاكي، الحرفي الدمشقي، الجلوس أمام نوله اليدوي في ورشته الصغيرة، ينسج بخيوط الحرير والذهب ويحافظ على هذا التراث الفني. ليس فقط لأنّه حرفة أو مصدرُ رزق، بل لأنّه رسالة عن استمرار الحياة والذاكرة والهوية. علّم الشكاكي أجيالاً من الحرفيين وحافظ على المعرفة، رغم أنّ أعداد من يزاولون البروكار انخفضت كثيراً بعد الثورة السوريّة.
إلى جانبه، يواصل محمد رنكوس وإبراهيم الأيوبي العمل على نوليهما الخاصين، كل منهم يحاول الحفاظ على ما تبقى من هذه الحرفة النادرة. لم يعد هناك أسواق كبيرة تبيع

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح