البحث عن الأفق الضائع في تعال أيها السأم

43 مشاهدة

وضع الكاتب وليد أحمد الفرشيشي مجموعة من العتبات لتكون للقارئ معالم على الطريق في كتابه تعال أيها السّأم!، أبرزها قوله في التصدير: السّأم هو كل ما أعطي لي لمواجهة هذا العالم، وتبدو هذه العبارة بمثابة العنوان الفرعي وأحد مفاتيح النص الأساسية. فكلّ ما يجعل من النص كتابًا له أهمية مخصوصة في كيفية إنشاء علاقتنا الخاصة به، والكاتب لا يقدّم لنا مجموعة قصصية بالمعنى التقليدي المُتعارف عليه، بل نصوصًا يمثّل كلّ نصّ منها على حدة وحدة مُكتفية بذاتها، لكن الحوار الداخلي بينها يجعلها تؤلّف مجتمعة الكتاب كما تؤلف الآلات الموسيقية المُختلفة سمفونية واحدة.

ينفتح الكتاب على مشهد صلب الحلاج وينغلق على مشهد صلب المسيح، وبينهما الموت طريق للانعتاق، والتضحية أساس المواجهة مع العالم، والرؤيا دافع للشعور بالفردانية على نهج المتصوّف الذي يدرك العالم بإشراق روحي، صرختي بلاد ليست ككل بلاد الله، بلادي مُربّع من نور يدور حوله الخلق منشدين: إننا نرى النور..، والمنطق الداخلي الذي ينظّم حوار النصوص هذا يقوم على المفارقة، فالموت مقترن بالانعتاق والخلاص، بينما الولادة مشوّهة وقبيحة وتفتح على ديستوبيا يغمر فيها القبح كلّ شيء في العالم، هذا ما يجعل من لحظة الموت لحظة نورانية تتكشّف فيها الحقيقة: المجد للإنسان وحده، لأنه النهر الصافي الخارج من ماء الحياة لامعاً كالبلّور، ومن التعاقب الأبدي بين الموت والولادة تستمر رحلة الإنسان في البحث داخل ذاته عن الحقيقة بالكشف الصوفي لمواجهة العالم.

والكتاب واقعي جدًّا، لكنّ واقعيته بوجهين: وجه اجتماعي ووجه سحري. كلّ الشخصيات القصصية فيه لها بعدان: بعد يؤصّلها في واقع الكاتب الاجتماعي وذاكرة القارئ التاريخية، وبعد آخر في عالم الرمز حيث الغرابة المطلقة على النحو الذي تُصاغ به عوالم الواقعية السحرية، وكلّ النماذج البشرية تأتي من عالم نعرفه جيّدًا، لأنّ النص بكلّ مكوّناته يتحاور مع واقعنا اليوم: تونس الآن وهنا. وكأنّ الكاتب أراد لكتابه القصصي أن يكون مرآة، لكنها مرآة قذفت بحجر فانشطرت إلى مئات الشظايا، وصارت تُعيد إلينا وجوهنا تارة على هيئة مُضحكة وتارة أخرى على هيئة مُفزعة

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح