تعلمنا من تاريخنا أن الاعتراف بحق الشعوب في الحرية خطوة رمزية لدعم نضال الشعوب وتمكينه وهذا ما نقوم به اليوم انطلاقا من إيماننا أن السلام الدائم يبنى على إرادة حرة لشعب حر سيمون هاريس رئيس وزراء أيرلندا 22 5 2024 يفضح امتعاض واشنطن من اعتراف ثلاث دول أوروبية بدولة فلسطينية مستقلة للمرة الألف زيف الوعد الأميركي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ولكن شتان بين المفهومين فالاعتراف يختلف تماما عن فرض شروط أميركية إسرائيلية يقزم الدولة إلى كيان ممسوخ تحت السيطرة الشاملة لإسرائيل أميركا ومع كل حديثها عن دولة فلسطينية لا تؤمن بالدولة حقا يمارسه الشعب الفلسطيني تجسيدا لحريته وإنما هي تتحدث عن مفاوضات تحت رعايتها يفرض القوي المدجج بأحدث الأسلحة الغربية واحتلال العسكري مفهوم ومساحة دولة بدون سيادة أي لا استقلال ولا تحرر فأميركا كانت تؤمن دائما أن نتيجة المفاوضات محكومة سلفا بواقع ميزان القوى المختلفة لصالح إسرائيل وليس تنفيذا لقانون دولي أو قرارات أممية لذا أي اعتراف بالدولة الفلسطينية يهدد المفهوم الأميركي ويدعم الفهم الفلسطيني للتحرر كما أنه يؤكد على اعتبار هذه الدولة الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة أراضي محتلة ما يعني ألا مشروعية للمستوطنات ولا تشريد للشعب الفلسطيني يجب أن نحلل أهمية الاعتراف الدولي إذ بلغ عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطينية 147 دولة بغض النظر عن موقفنا من حل الدولتين وخيار الدولة الواحدة وأنا ممن يؤمنون بأن الحل الدائم والعادل هو قيام دولة واحدة متحررة من المشروع الاستعماري الصهيوني فمن دون تفكيك بنية المشروع الصهيوني ستكون دولة واحدة صهيونية تحكم الفلسطينيين بقوة السلاح وتوظف نظام الأبارتهايد لتكملة اقتلاع الشعب الفلسطيني وإنهاء حقوقه لكن ذلك لا يعني التقليل من أهمية ما يحدث أولا أن لتحدي دول أوروبية غربية إسبانيا وأيرلندا والنرويج المشروع الأميركي الصهيوني أهمية خاصة خصوصا أنه نتج عن تنسيق مسبق يقف أمام مشروع حكومة المستوطنين الإسرائيلية القاضي بتوسيع المستوطنات ومحاولة ترويع أهل الضفة الغربية والقدس المحتلتين وطردهم وبرفض احتلال عسكري إسرائيلي لقطاع غزة الإقرار بأهمية اعترف الدول بدولة فلسطينية مستقلة لا يعني التخلي عن حقوق العودة وباقي الحقوق الوطنية والتاريخية والقانونية للشعب الفلسطيني ثانيا سيكون للاعتراف الأوروبي الثلاثي تأثير واسع على الحكومات الأخرى وعلى الأحزاب الأوروبية فبعد أيام قليلة أعلن رئيس حزب العمال البريطاني كير ستارمر نيته الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة إذا فاز برئاسة حزبه مرة ثانية الدافع الأول لستارمر بالطبع فوز مؤيدي فلسطين من أعضاء الحزب في انتخابات الحزب في عدة مناطق وهزيمة تياره لكن الاعتراف الأوروبي الثلاثي جعل مسألة الاعتراف جزءا من التيار العام وليس المتطرف كما كان يتذرع ستارمر من الضروري التذكير هنا أن لدى حزب العمال البريطاني مصلحة في ألا يكون معزولا أو على الأقل ليس متناقضا مع الأحزاب الأوروبية التي كانت حليفة له وشبيهة له تاريخيا وواضح أيضا أن حرب غزة وصوت الشارع والطلبة قد بدأت بتعميق المواجهة مع التيار الليبرالي بالاسم اليميني بالجوهر الذي تدعمه أميركا في أوروبا فأي تحرك أوروبي رسمي يؤثر على العمل السياسي وبخاصة في وقت لم يعد مقبولا أن تظهر أحزاب ليبرالية أو من يسار الوسط مشاركة في حرب الإبادة عليه الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة خطوة تتحدى الهيمنة الأميركية ولو بالحد الأدنى ولكنه تحد مهم وقد يجذب جيل الشباب الرافض مهادنة بلاده إسرائيل أو تأييدها إلى التصويت للأحزاب التي تعلن عن خطوة ملموسة في دعم الشعب الفلسطيني منها وقد يكون أبرزها الاعتراف بدولة فلسطينية لن يكون ستارمر الوحيد من انتهازيي أحزاب يسار الوسط في بريطانيا وأوروبا الذي يعلن دعمه للاعتراف بدولة فلسطينية سعيا إلى الفوز بالانتخابات الحزبية أو البرلمانية فالاعتراف الأوروبي الثلاثي فتح الباب مشرعا وجعل المسألة ممكنة ومن المتوقع أن تنضم دول أوربية أخرى للاعتراف بالدولة الفلسطينية وهذا ما كانت تحاول أميركا منعه في الثلاثة عقود الأخيرة فتحت شعاري عملية السلام ومفاوضات السلام جرى تمرير كذبة الدعم الأميركي لإقامة دولة فلسطينية تحدد إسرائيل مساحتها وسيادتها وكل مقاساتها والإقرار بأهمية اعترف الدول بدولة فلسطينية مستقلة لا يعني التخلي عن حقوق العودة وباقي الحقوق الوطنية والتاريخية والقانونية للشعب الفلسطيني يبطئ تخاذل النظام الرسمي وتواطؤ بعض الدول العربية حركة التغيير المؤثر على القرار السياسي في واشنطن المقايضة بين دولة ممزقة بدون سيادة على أرضها أو سمائها أو ما في جوف أرضها مقابل التخلي عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني رفضها الرئيس الشهيد ياسر عرفات في كامب ديفيد ما اعتبرته واشنطن رفضا لعرض إسرائيلي سخي قدمه حينذاك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك لذا حتى لو كانت أميركا تنتهج التفكير نفسه فإنه لن يمر إذ إن حكومة المستوطنين المتطرفة أوضح في التعبير عن المشروع فهي لن تسمح بكيان فلسطيني مهما كان شكله فالأبارتهايد ليس غايتها إذ إنها تستعجل طرد الفلسطينيين ولن تنتظر تداعيات نظام الفصل العنصري على الفلسطينيين وحتى لو جاءت حكومة بقيادة بيني غانتس فالمجتمع الإسرائيلي قد انزاح إلى يمين اليمين والمراهنة بالأساس على صمود الشعب الفلسطيني إضافة إلى أن هناك انبعاث وعي تحرري في الغرب يسهل عليه كشف كذبة دولة فلسطينية قائمة على تثبيت الاحتلال والفصل العنصري من ناحية استراتيجية يفتح الاعتراف الأوروبي المتنامي بدولة فلسطينية مستقلة الطريق إلى فهم طبيعة المشروع الصهيوني الكولونيالي الإحلالي على كل أرض فلسطين التاريخية وبالتالي استنتاج أن المشروع لا يسمح باستقلال الشعب الفلسطيني ولو على بوصة من أرضه صمود الشعب الفلسطيني ونهوض حركة عالمية مناصرة للشعب الفلسطيني أديا وسيؤديان إلى تغييرات مهمة في أوروبا لكنها للأسف لا تقاس بحجم التضحية البشرية للشعب الفلسطيني وبخاصة في غزة مرة أخرى يبطئ تخاذل النظام الرسمي وتواطؤ بعض الدول العربية حركة التغيير المؤثر على القرار السياسي في واشنطن لكن لا مجال لليأس ويجب البناء عليه فاليأس هو تخل عن الشعب الذي يتعرض إلى إبادة