سام برس الاستيطان المستتر تفكيك الجغرافيا وإعادة تشكيل المكان الفلسطيني عبر المستوطنات

بقلم/ الدكتور حسن العاصي
منذ عقود طويلة، ظلّت القضية الفلسطينية تتصدّر المشهد الدولي بوصفها واحدة من أعقد النزاعات في العالم، حيث تتداخل فيها الأبعاد العسكرية، والسياسية، والإنسانية، والقانونية. وإذا كانت صور القصف والدمار في غزة، واعتقالات الفلسطينيين في الضفة الغربية، والاغتيالات التي تطال القيادات والنشطاء، هي ما يملأ شاشات الأخبار ويشدّ انتباه الرأي العام، فإن هناك مساراً آخر يجري بصمت، بعيداً عن الأضواء، لكنه لا يقل خطورة عن الحرب المفتوحة، بل ربما يفوقها أثراً على مستقبل الأرض والإنسان الفلسطيني. هذا المسار هو سياسة مصادرة الأراضي الفلسطينية وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، التي تُنفّذ بشكل تدريجي ومنهجي، تحت غطاء تشريعات داخلية إسرائيلية، وبحماية مباشرة من الجيش، في مخالفة صارخة للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنّ عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية تجاوز اليوم 700 ألف مستوطن، موزعين على أكثر من 279 مستوطنة وبؤرة استيطانية، وهو رقم تضاعف عدة مرات منذ اتفاقيات أوسلو في التسعينيات. هذه المستوطنات لا تُبنى في فراغ، بل على حساب أراضٍ فلسطينية مصادرة، تُقتطع قطعة بعد قطعة، لتتحول القرى والمدن الفلسطينية إلى جزر معزولة محاطة بالمستوطنات والطرق الالتفافية، في مشهد يهدد عملياً إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.
القوانين الإسرائيلية الداخلية، مثل قانون تنظيم المستوطنات لعام 2017، شرّعت عملياً الاستيلاء على أراضٍ خاصة يملكها فلسطينيون، ومنحت غطاءً قانونياً للبؤر الاستيطانية غير المرخّصة سابقاً. هذا القانون، إلى جانب سياسات أراضي الدولة التي تُعلن بموجبها مساحات واسعة من الضفة الغربية كأراضٍ تابعة للدولة الإسرائيلية، مكّن من تحويل آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية الفلسطينية إلى مشاريع استيطانية جديدة. ووفق بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)، فقد خسر الفلسطينيون خلال العقدين الأخيرين عشرات آلاف الهكتارات من أراضيهم، فيما ارتفعت وتيرة البناء الاستيطاني بنسبة تفوق 20% سنوياً في بعض المناطق الحساسة مثل محيط القدس والخليل ونابلس.
الأثر المباشر لهذه السياسات يتجلى في حياة المزارعين الفلسطينيين الذين يُحرمون من الوصول إلى أراضيهم، ويواجهون
ارسال الخبر الى: