خطاب عيد الاستقلال تحليل استراتيجي لرؤية السيادة اليمنية في مواجهة التحولات الإقليمية
يمثل خطابُ فخامة الرئيس مهدي المشاط بمناسبة الذكرى الثامنة والخمسين لعيدِ الاستقلال نموذجًا متقدمًا للخِطابِ السياسي الوطني، حَيثُ يجمع بين استحضار التاريخ وقراءة الواقع واستشراف المستقبل.. ويأتي هذا الخطابُ في لحظة فارقة من الصراع الإقليمي والدولي حول اليمن؛ مما يجعله وثيقة تستحق القراءة المتأنية لمضامينها الاستراتيجية ورؤاها الفكرية.
البناء المفاهيمي للخطاب: توظيف الذاكرة التاريخية كأدَاة سياسية
يتميَّز الخطابُ ببناء مفاهيمي متين، حَيثُ يحوّل الذكرى التاريخية من مناسبة احتفالية إلى إطار تحليلي لفهم الصراع.
فاستدعاء ملحمة التحرير من الاستعمار البريطاني يقدم لليمنيين منهجًا تحليليًّا لفهم طبيعة الصراع الحالي.
ويمكن توضيح ذلك بالتركيز على أن السياسة الاستعمارية البريطانية ارتكزت تاريخيًّا على ضرب الوحدة اليمنية، وتقسيم وتفتيت جنوب الوطن إلى مشيخات وسلطنات متنازعة، وهي الآلية نفسها التي نراها اليوم تُطبق في المناطق المحتلّة، مما يؤكّـد أن سياسة التفتيت والتقسيم هي السمة الثابتة لأي مشروع احتلالي، قديمًا وحديثًا.
هذا التوظيف السياسي للتاريخ يمنح الخطاب بعدًا استراتيجيًّا، حَيثُ يقدم نموذجًا “للاستعمار متعدِّد الأشكال” الذي يتجاوز الشكل التقليدي المتمثل في الاحتلال العسكري المباشر، ليشمل أشكالًا حديثة من الهيمنة السياسية والاقتصادية.
التحليل الجيوسياسي: مقاربة اليمن كفاعل استراتيجي
يتجاوزُ الخطابُ في تحليله النظرة التقليدية لليمن كمُجَـرَّدِ مسرح للصراعات الإقليمية، ليرتقي إلى مقاربة اليمن كفاعل استراتيجي في المعادلة الإقليمية.
فمن خلال الربط العضوي بين القدرة التاريخية على طرد الإمبراطورية البريطانية والقدرة المعاصرة على مواجهة التحالف الحالي، يقدم الخطاب رؤية جيوسياسية تضع اليمن في موقع المؤثر وليس المتأثر فقط.
وفي هذا الإطار، يُسلط الضوء على حقيقة أن الاحتلال لا يمكنه التسلُّل إلى جسد الوطن إلا عبر الخونة من الداخل، حَيثُ يمثل “الطابور الخامس” الجسر الذي تعبر عليه المشاريع الاستعمارية.
والربط بين دور الخونة خلال الاحتلال البريطاني وموقف الخونة اليوم ليس مُجَـرّد استعادة للذاكرة، بل هو تحذير استراتيجي من الآلية ذاتها التي تعيد إنتاج التبعية؛ مما يحتم على الشعب اليمني أن يتوحد وينتزع استقلاله كما فعل أسلافه.
هذه الرؤية تتسق مع نظريات القوة الناعمة في العلاقات الدولية، التي تؤكّـد على دور
ارسال الخبر الى: