طفرة الاستثمار الأجنبي في الخليج العقارات تبتلع الجزء الأكبر
يُسوَّق الرقم التراكمي للاستثمار الأجنبي المباشر في دول الخليج، والبالغ نحو 523 مليار دولار حتى نهاية 2023، باعتباره علامة على نجاح السياسات الاقتصادية وتعاظم جاذبية المنطقة لرأس المال العالمي. غير أن قراءة تفاصيل هذا الرقم تكشف مشهداً أكثر تعقيداً على مستوى المعيشة، إذ تظهر أحدث بيانات المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي تحولاً نوعياً في مسار هذه التدفقات، بما يترك آثاراً مباشرة على هيكل الاقتصاد وتكاليف الحياة اليومية للمواطن الخليجي. فالبيانات تشير إلى أن وجهة الأموال لم تعد تقتصر على قطاع الطاقة التقليدي، بل باتت تتوزع في مسارين متوازيين يؤثران بشكل مباشر، ومتناقض أحياناً، على الحياة اليومية للسكان: الأول هو البنية التحتية والعقارات، والثاني هو التنويع الصناعي والتكنولوجي.
وهنا تبرز جدلية العقارات مقابل المصانع، إذ تشير البيانات إلى أن الاستثمارات في القطاع العقاري لا تزال تحظى بـ زخم قوي، حيث سجلت معاملات مبيعات الوحدات السكنية بدول الخليج نمواً ملحوظاً (نحو 13.7% في بعض الأسواق الرئيسية خلال النصف الأول من 2025). هذا التدفق الاستثماري الكثيف في العقارات، وإن كان يعزز أرقام النمو الكلي، فإنه يمارس ضغوطاً تضخمية على أسعار السكن، مما يرفع تكلفة المعيشة على المواطنين والوافدين على حد سواء، ويجعل القدرة على تحمل التكاليف تحدياً متزايداً للأسر المتوسطة، رغم تباطؤ التضخم العالمي العام، وذلك بحسب المراجعة الاقتصادية الربعية الصادرة عن مصرف الإمارات المركزي. على الجانب الآخر، وبنظرة أكثر تفاؤلاً لجانب الرفاه، تؤكد تقارير دولية أن جزءاً متزايداً من هذه الاستثمارات بدأ يتدفق فعلياً نحو قطاعات تخلق وظائف نوعية، مثل التصنيع والخدمات المالية والتكنولوجيا، مدفوعاً بخطط التنويع الاقتصادي الحكومية، بحسب تقرير لشركة إرنست ويونغ العالمية، المتخصصة في التدقيق والاستشارات المالية.
ومع ذلك، يبرز التقرير تحدياً جديداً يتمثل في مخاطر المواهب، حيث يتطلب الاقتصاد الجديد مهارات متقدمة قد لا تتوفر فوراً في سوق العمل المحلي، ما يدفع الحكومات والشركات للاستثمار بكثافة في التدريب. وإزاء ذلك، يحذّر خبراء الشركاء صراحة من أن استدامة هذا النموذج تتطلب من الحكومات إعطاء أولوية قصوى لـمعالجة
ارسال الخبر الى: