في الاتجاهات السورية المضادة للوطنية السورية

52 مشاهدة

لأسباب تاريخية وراهنةٍ، تبدو سورية، دولةً وشعبًا، أنموذجًا للنزعات اللاوطنية أو المُضادة للتوجّهات الوطنية، وأظنّ وأرجّح أنّه ينبغي لها أن تحتل المركز الأوّل أو أحد المراكز المتقدّمة جدًّا في هذا الخصوص، لفترةٍ طويلةٍ. ولا يختص الأمر بجماعةٍ إثنيةٍ أو دينيةٍ أو طائفيةٍ أو حزبيةٍ معينةٍ، بل يبدو أنّ الأمر شائع عند جميع الجماعات، بدرجاتٍ متفاوتةٍ، وفقًا للأوضاع والسياقات المختلفة. وعلى الرغم من أنّ مفهوم الوطنية مفهومٌ معياريٌّ يتضمّن، عادةً، عددًا من السمات الإيجابية المحبّذة، من منظور كثيرين، فمن الضروري تعليق الأحكام المعيارية المُسبقة التي تعلي من شأن الوطنية وتحقِّر الاتجاهات المختلفة عنها أو المُخالفة أو المُضادة لها. فقد تعلَّم السوريون، بأثمانٍ باهظة، ما تشير إليه الدراسات الفكرية الأكاديمية: يمكن للوطنية، في الحياة السياسية الفعلية، أن تكون معولًا للاستبداد، ومؤسّسةً للقمع والقهر، وصنوًا للأحادية المركزية الإقصائية والاختزالية.

ربما كان الاتجاه العروبي هو النقيض الأكبر للوطنية السورية. فهو (أو كان) الاتجاه الحزبي والشعبي الأقوى، والذي كان سمةً للحياة السياسية السورية، في طوريها الديمقراطي والاستبدادي، والاتجاه الأيديولوجي الحاضر، لدرجةٍ أو لأخرى، في معظم التيارات الحزبية والسياسية، في سورية منذ الاستقلال، وقبله أيضًا. وسورية (كانت) قلب العروبة النابض، وعقلها المُفكّر، والمنبع الأساسي لكلّ التيارات القومية العروبية، كما قال جمال عبد الناصر وباتريك سيل مُحقّين. والاتجاه العروبي (كان) روح سورية و(معظم) السوريات والسوريين، وأحد أسباب مقتل الوطنية السورية أو نشأتها المشبوهة وتاريخها الأسود. ولا يعترف الاتجاه العروبي بسورية وطنًا لجميع السوريين، بل يراها مجرّد قُطرٍ من أمةٍ أكبر، هي الأمة العربية، التي ينبغي السعي إلى تحقيق وحدتها السياسية، بكلّ الطرق (المشروعة) المُمكنة. وانطلاقًا من ذلك، لم يكن هناك، غالبًا، تبنٍ (رسمي) حقيقي للوطنية السورية، بل إنّ محاولة السير باتجاه قيام تلك الوطنية (كانت) تعني، من وجهة نظر العروبيين، نزوعًا قُطريًّا مدانًا، من حيث المبدأ ومن حيث الفعل معًا.

ولعل أبرز الأحداث الدالة على استهانة السوريين بدولتهم وبالوطنية السورية يتمثّل في موقفهم الفريد والعجيب من الوحدة مع مصر عام 1958. فلم يحدث في التاريخ (الحديث) أن

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح