الإنتاجية وفن إدارة الوقت

٤٣ مشاهدة
كان يا مكان في سالف العصر والأوان إلخ وجمل أخرى شبيهة بها مثل بلغني أيها الملك السعيد ذو العقل الرشيد والعمر المديد أو دعاؤنا لبعضنا أو لشيوخنا طال عمرك أو يا طويل العمر تعلمنا حقيقة أساسية أننا في أعماقنا ندرك أن رصيد الوقت الذي نحظى به محدود وأنه رغم الدعوات بطول العمر يبقى قول الشاعر كعب بن زهير في قصيدته الشهيرة في مدح الرسول محمد عليه السلام وطلبه العفو عنه البردة صحيحا كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمول ومن الشعراء من قسم الوقت ووظائفه مثل قول الشاعر امرئ القيس حين أبلغ عن مقتل والده اليوم خمر وغدا أمر ونحن نتحدث عن حسن إدارة الوقت ونقبل بنصيحة أينشتاين التي يقول فيها الأفضل أن تذهب إلى موعد مبكرا ثلاث ساعات من أن تتأخر دقيقة واحدة ويدور في الأردن حاليا نقاش طويل حول كفاءة نظام النقل العام ولقد أثار النقاش الذي شاهدت ثلاث حلقات منه موضوعين رأيت أنهما مهمان للغاية الأول هو أن عمان إن بقي السير والاكتظاظ على نفس النمط الحالي فيها ستتحول شوارعها كلها قريبا إلى كراجات للوقوف وليس للسير وإن بدا هذا الاستنتاج في ظاهره مبالغا في تعبيره إلا أنه صحيح أما الأمر الثاني والمهم فهو ضرورة بناء نظام نقل عام دقيق في مواعيده عند كل محطة أو أن ينصاع النقل لأداء الخدمة عند كل موقف وعند كل ساعة من ساعات اليوم وبدقة وبسبب اكتظاظ السيارات في الطرق وغياب الدقة في المواعيد فقد أصبح الانتقال من البيت إلى العمل وبالعكس يستغرق بالمعدل ثلاث ساعات في اليوم وهذه الساعات ليست سهلة على الموظف الذي لا يثق بدقة مواعيد النقل العام فيلجأ إلى شراء سيارة وسياقتها بنفسه ولما يصل مكان العمل فإن من المرجح أن يكون قد ارتكب مخالفة سير أو تورط في حادث اصطدام أو حصل حادث داخل نفق يحول دون الوصول إلى مكان العمل ولأن كل سائق في ساعات الذروة يريد الوصول للعمل مع بداية الدوام فإنه يتحول إلى سائق مناكف وأناني أو أنه يمر بعدد من الحالات التي بالكاد ينجو فيها من الوقوع في حادث سير ولذلك يصل إلى مكان العمل مرهقا متوتر الأعصاب ما يؤثر على سلوكه وعلى فاعليته ورغبته في أداء واجباته الوظيفية ويصل البيت مساء مرهقا وأطفاله مرهقون وزوجته إن كانت عاملة يخالجها نفس المشاعر الحساسة ويصبح الجو مشحونا ويصادف هذا كله أنه طلب مني قبل عدد من السنوات أن أكون محكما لمجلة اقتصادية دولية وقد كتب باحث راغب بالنشر ورقة علمية بعنوان عمل الظل أو Shadow Work وبموجب البحث فإن الكاتب يقول إن عمل الظل هو جهد كبير يبذله العامل أو الموظف في طريقه إلى العمل والعودة منه ولكنه لا يحسب ضمن ساعات الدوام ولذلك وصل إلى القناعة بضرورة دفع رواتب عنها نصف أجرة العمل العادي أو تقليل ساعات العمل من ثماني ساعات إلى سبع في اليوم وفي رأيه أن هذا لن يؤثر على حجم الإنتاج وقد نشرت بحثا قبل أكثر من أربعين عاما اقترحت فيه أن يجرى تصنيف الدول حسب إدراكها لأهمية الوقت عن طريق مؤشرات مثل اللغة المستخدمة في تحديد المواعيد الالتزام بالمواعيد والبرامج المحددة سلفا وصغر وحدة الزمن التي نستخدمها وقد وجدت أن هناك فرقا شاسعا في الإنتاجية بين من يقولون نتقابل هالأسبوع أو بكره بعد الظهر أو لا بدري ولا متأخر ومن يقول من جهة أخرى موعدنا غدا الساعة الثامنة إلا خمسة والدقة في استخدام مقياس الوقت مثل هذه عملية تحتاج إلى 67 دقيقة أو أن تقول ساعة وسبع دقائق أو ايش يعني تأخرنا ساعة زمان هيه الدنيا طارت وبين من يقول آسف على تأخري دقيقة لأن المصعد معطل وصعدت الدرج ماشيا أعذار التأخر في الوطن العربي كثيرة ولكنها غالبا لا تصدر عن أناس صادقين في الاعتذار والأنكى من هؤلاء من يتعمد القدوم متأخرا لاعتقاده أن القدوم في الوقت المتفق عليه يقلل من قيمة مقامه الكبير هذه كلها أعذار واهية والأمم التي لا تحترم الوقت تتأثر إنتاجيتها بذلك كثيرا وقد قمت بمراجعة جدول أعدته منظمة العمل الدولية قاست بموجبه معدل قيمة إنتاج ساعة العمل في 63 دولة عام 2019 وأعادت الكرة ثانية عام 2023 ومعيدة تقييم الإنتاج لكل ساعة عمل حسب القدرة المعادلة الشرائية الدولية للدولار في كل بلد أو ما يسمى Purchasing Power Parity PPP ولا بد من تفسير هذا المبدأ الذي ابتكره الفيلسوف وعالم المنطق الاسكتلندي David Hume الذي عاش بين عامي 1711 و1776 وكان مزامنا لآدم سميث أبي الاقتصاد الحديث ومات هيوم في نفس العام الذي نشر فيه آدم سميث كتابه ثروة الأمم وديفيد هيوم يقول نحن نقيس الناتج المحلي الإجمالي في الصين بالدولار حتى نستطيع مقارنته بالناتج المحلي بالدولار في دول أخرى وعليه يكون الناتج المحلي الإجمالي الأميركي الحالي حوالي 26 تريليون دولار أما في الصين فهو 18 5 تريليون دولار ولكن القوة الشرائية للدولار في الصين أعلى منها في الولايات المتحدة ولذلك يحولون الدولارات حسب معادلة تكافؤ القوة الشرائية لتكون المقارنة ذات معنى وإذا طبقنا معادلة القوة الشرائية PPP فقد يكون الناتج المحلي الإجمالي في الصين أعلى منه في الولايات المتحدة ولكن حسب معدل دخل الفرد فإن المبلغ في الصين يتوزع على 1 4 مليار شخص بينما في الولايات المتحدة على نحو 340 مليون شخص فقط أو ربع سكان الصين تقريبا وبعد تعديل الأرقام تبين حسب الدراسة الأشمل لعام 2023 أن أكثر دول العالم إنتاجية لكل ساعة عمل مبذولة هي في لوكسمبورغ والتي بلغت 146 1 دولارا مكافئا والثانية أيرلندا 142 5 وأتت من بعدها النرويج فهولندا فالدنمارك فسويسرا ثم بلجيكا ومن بعدها النمسا وسنغافورة والسويد وغويانا ثم الولايات المتحدة في المرتبة الثانية عشرة ثم فنلندا وألمانيا وفرنسا التي بلغت قيمة انتاج ساعة العمل فيها 67 9 دولارا أو أقل من نصف رقم لوكسمبورغ ولما عدت لأكبر خمس عشرة دولة إسلامية فقد وجدت أن السعودية التي كان ترتيبها عالميا رقم 26 من أصل 181 دولة قد جاءت في المركز الأول ومن بعدها قطر في المرتبة الثانية إسلاميا والسابعة والعشرين دوليا ومن بعدها البحرين فدولة الإمارات ثم تركيا في المرتبة 45 دوليا ثم الكويت 47 دوليا ومن بعدها سلطنة عمان مباشرة وجاءت ماليزيا في المرتبة 63 وايران في المرتبة 69 ومصر 82 وجيبوتي 85 والجزائر 86 أما الأردن فجاءت في المرتبة 89 بإنتاج يعادل 16 دولارا تقريبا في الساعة دراسات الوقت تصلح لدراسة الأزمات في الوطن العربي فالعالم اليوم يتحدث في الدوائر العلمية المتقدمة عن تطورات تجري في عوالم في منتهى الصغر وتستغرق من الوقت حوالي جزء واحد من 150 مليار جزء من الثانية الواحدة ويتساءلون هل هذا الزمان المتفاني في الصغر هو زمان حقيقي real time إن التطورات في الطب تتعامل مع عوالم صغيرة جدا مثل neurons التي يطلقها الدماغ بأوامر للحركة والتنفس والكلام والنبض وغيرها ونعلم أن الميتاكومبيوتر Metacomputer يستطيع اجراء كل أنواع الحسابات في فروع العلم المختلفة وبسرعة خارقة لا تصدق صدق من قال الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك أو الوقت رصيد ثابت ونادر وكلنا على مستوى الأفراد والجماعات مطالبون باستثماره بشكل أفضل

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح