الإمبراطور العاري

٥٠ مشاهدة
يمكن لشخصية الإمبراطور في الحكاية الشهيرة ثياب الإمبراطور الجديدة لـ هانز كريستيان أندرسن أن تكون الشخصية الأكثر حضورا في عالم الفن والواقع وعلى الرغم من أن كثيرين قد نافسوه على الصدارة فقد بقي في القمة باستمرار تسرق الأضواء منه شخصية هنا أو شخصية هناك ولكن الإمبراطور العاري سرعان ما يعود من جديد ليتبوأ المركز الأول فالرجل يمتلك أغلب السمات التي تؤهله لاحتلال هذا الموقع بما يملكه من حضور شبه أبدي في الحياة البشرية حيث يستمر في طبيعته يقتل دون حساب كل من يتجرأ على قول الحقيقة وربما يكون قد تواطأ مع النساجين اللذين تصفهما القصة بالدجالين لصناعة هذا الزي كي يصفي معارضيه إلى أن يأتي ذلك الطفل والحكاية تعرف كيف تختار من يقول الحقيقة ليقول له إنه عار لا يرتدي أي ملابس والفارق بينه وبين الشخصيات الأخرى التي قدمها الأدب طوال تاريخه أن المعنى في تلك الشخصيات لم يكن كامنا في وجودها بل في القراءة التي تضفي عليها ما شاءت من المعاني والتفسيرات كما هو حال شخصية هاملت أو الملك لير أو راسكولنيكوف أو أية شخصية يمكن اختيارها من تاريخ الأدب لدى كل الشعوب بينما لا يحتاج الإمبراطور في قصة أندرسن لقراءات لا لأنه موجود في النص وحسب بل لأن حضوره في الواقع مستمر بل هو مهيمن على الواقع أكثر من هيمنته على النصوص واللافت أن البشرية شهدت تناسلا لهذه الشخصية في معظم المستويات ففضلا عن الأب وزعيم العشيرة ظهرت في العصر الحديث شخصية القائد الحزبي كان قادة الأحزاب الذين ادعوا تمثيل الشعب قد أعلنوا أنفسهم أباطرة ولكنهم كانوا عراة أيضا وظلوا يعيشون ويرغمون أتباعهم على مديح ثوب العظمة غير الموجود وبعض هؤلاء ظلوا في مناصبهم طوال حياتهم في واحدة من أبشع ممارسات عبادة الفرد دون أن يوجد من يجرؤ على أن يقول لهم إنهم عراة معادلة غريبة تريد فيها القوة أن تبقى والحقيقة أن تقول لا تحضر شخصية الإمبراطور في القصة وفي الواقع إلا برفقة شخصية التابع إذ يقدم الوزير تقريرا مؤثرا عن جمال ثياب لا وجود لها ويؤكد المبعوث الثاني رأيه ومن الصعب أن يوافق الإمبراطور على ارتداء الثياب الجديدة دون مدائح التابعين غير أن التابع نفسه إنما يبالغ في المديح أو في الكذب بما يوافق الحاكم أما الطفل الذي لاحظ أن الإمبراطور عار فقد أعلن الحقيقة بفضل براءته لا شجاعته بينما تظهر شجاعة قول الحقيقة لدى الناس الذي أيقظتهم جملة الصدق قال ألبرتو مانغويل إن البشرية تحتفي بجملة الصبي ولكن أحدا لا يسأل عن مصير هذا الصبي بعد أن نطق الحقيقة صحيح أننا لا نعرف ماذا فعلوا به ولكننا يمكن أن نخمن فلا يزال العشرات من الأباطرة الطغاة يمشون عراة والناس يعجبون بهم وفي الغالب فقد اختفى الصبي أو أخفي بقوة القهر المستقرة لدى الشخصيتين شخصية الملك وشخصية التابع عالم الإنسان منذ بداية التاريخ محكوم بهذه المعادلة الغريبة التي تريد فيها القوة أن تبقى وتسعى الحقيقة فيها لأن تقول روائي من سورية

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح