الإغاثة المفخخة من الطحين إلى التوابيت حين تتحول المساعدات إلى مصائد دموية

63 مشاهدة

| د. أميرة فؤاد النحال

في مشهد يتكرر حتى أصبح جزءً من يوميات غزة المنكوبة، يقف الفلسطينيون في طوابير طويلة تحت الشمس أو القصف، لا لشيء سوى انتظار كيس طحين أو علبة طعام، لكن الانتظار هنا لا يعني الحياة، بل يعني وقوف على حافة الموت، فمع كل شاحنة إغاثة، هناك قناص، وطائرة، واحتمال انفجار.

أكثر من 500 شهيداً ارتقوا حتى الآن وهم يرفعون بطاقات المساعدات لا الرايات، ويحملون أوعية الماء والطعام لا السلاح، هؤلاء لم يُقتلوا في المعارك، بل قُتلوا في صفوف الحياة، قُتلوا لأنهم صدّقوا أن هناك من سيُطعمهم دون أن يُنهيهم، تحوّلت المساعدات شيئاً فشيئاً إلى نظام قتل ببطاقة غذاء، حيث يتمركز الاحتلال على أبواب الحاجة، ويوزّع الموت بدل المعونة، إننا أمام مشهد جديد من مشاهد الهندسة الدموية للإغاثة، حيث يُعاد تعريف الضحية لا كمقاوم، بل كمنتظر لطبق عدس.

في غزة، لم يعد الطابور مكاناً للانتظار، بل صار ممراً إلى المقبرة، عشرات الشهداء ارتقوا لا لأنهم حملوا سلاحاً أو صرخوا بشعار، بل لأنهم اصطفّوا للحصول على كيس طحين أو علبة فاصوليا، ومع كل مجزرة أمام نقطة توزيع يتضح أن الأمر لا يتعلق بخطأ ميداني أو اشتباك عرضي، بل بسياسة ثابتة تُمارس بعقل بارد وإرادة عنيفة، واللافت أن هذه السياسة تُنفّذ بصمت دولي، بل وبتواطؤ ناعم تُغلفه رواية الارتباك أو الزحام، وكأن الحياة الفلسطينية بلا قيمة إذا وقفتَ في الطابور، وهذا الطابور الذي يفترض أن يكون طريقاً إلى البقاء، تحوّل إلى ممرّ اغتيال جماعي مُنظّم، هو شكل جديد من الإبادة الذي يُستخدم فيه الجوع والانتظار، إنه الإعدام على مراحل، بالوجبة المؤجلة، والرصاصة المحتملة، والموعد الذي لا يعود منه أحد، وهذه ليست أخطاء، بل هندسة قتل عبر الطابور، والسكوت عنها هو مساهمة في شرعنة الموت بالجوع، فالاصطفاف للمعونة صار في غزة مشهد مقاومة لا يقلّ عن الخندق، لأنه بات فعل تحدٍّ للحصار، ومواجهة مع الاحتلال المُقنّع بغطاء الغذاء.

في غزة تطوّر شكل الإبادة ليصبح أكثر خُبثاً وهدوءً، وصار الخبز هو

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع الخبر اليمني لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح