الإبادة الاقتصادية سياسات الاحتلال في قطاع غزة
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشهد قطاع غزّة عملية تدمير شاملة لا تقتصر على العمران والبنية التحتية، بل تطاول مجمل النظام الاقتصادي. فالحرب الراهنة لم تأتِ استكمالًا لمسار الحصار فحسب، بل مثّلت ذروته؛ إذ انتقل الاحتلال من سياسة الخنق التدريجي إلى سياسة التفكيك مقومات البقاء الاقتصادي. فتدمير المناطق الصناعية الواسع، ومحطات الطاقة، وشبكات المياه والاتصالات لا يمكن قراءته نتاجًا ثانويًا للعمليات العسكرية، بل وُظفَ هذا التدمير آليةً مقصودةً لإحكام خنق قدرة القطاع الاقتصادية، إذ تتحول أيّ محاولة للتعافي إلى إجراء شكلي فاقد لمحتواه الفعلي.
أُنهك الاقتصاد الغزّي على مدى أكثر من ستة عشر عامًا من الحصار، جرى خلالها تفكيك البنية الإنتاجية من خلال القيود المفروضة على الحركة، ومنع الوصول إلى الموارد، وإغلاق المعابر، والحرمان من استغلال الثروات الطبيعية، بما في ذلك الغاز البحري والثروة السمكية. ومع كلّ جولة عدوان، تآكلت قدرة الاقتصاد على الاستثمار والتراكم، ليتحول من اقتصاد منتج إلى اقتصاد معتمد على المساعدات. وقد انعكست هذه السياسات على المؤشرات الكلية، فانخفضت مساهمة قطاع غزّة في الناتج المحلي من نحو 36% قبل عام 2006 إلى أقلّ من 17% في نهاية عام 2022، وبلغت البطالة في العام ذاته 46%، في ما عاش أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، وذلك وفق تقرير أصدره الأونكتاد عن المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني بعنوان التطورات في اقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة، وذلك في مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية في أكتوبر 2022.
في ضوء هذا التراكم، جاءت الحرب الأخيرة لتقطع ما تبقّى من الروابط الإنتاجية والاجتماعية، وتدفع بالاقتصاد إلى مرحلة الانهيار الكامل. فالمسألة لم تعد تتعلق بإعادة إعمار ما تهدّم، بل بمغزى التدمير نفسه، الذي بات يتجاوز المفهوم التقليدي للحرب إلى ما يمكن تسميته إبادة اقتصادية تستهدف محو مقومات الوجود المدني، وتحول الاقتصاد إلى أداة إخضاع طويلة الأمد.
انهيار الاقتصاد الغزّي كلّيًا بعد الحرب
أدت الحرب على قطاع غزّة إلى تدمير البنية الاقتصادية تدميرًا شبه كامل، إذ تشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للربع الثاني 2025
ارسال الخبر الى: