الأمن عقدة الحوار المهيكل في ليبيا
ينتظر الليبيون انطلاق الحوار المهيكل الذي تتبناه البعثة الأممية بوصفه أحد مسارات خريطة الحل السياسي في البلاد، بعدما أعلنت، الخميس الماضي، عن شروعها في توجيه الدعوات لمن اختارتهم لعضوية هذا الحوار من بين المرشحين الذين قدمتهم المؤسسات الليبية. وحددت البعثة مجالات الحوار في الحوكمة والاقتصاد والمصالحة والأمن، في محاولة لبناء مقاربة شاملة تعالج تعقيدات المشهد الليبي من جذوره لا من سطحه، وفقاً تعبيرها. غير أن هذا الإعلان، على أهميته، حمل بين سطوره أسئلة لا تقل أهمية عن الخطوة نفسها، خصوصاً حين يتعلق الأمر بأحد أهم هذه المجالات، وهو مجال الأمن.
فإذا كان الحديث عن خبراء في الحوكمة والاقتصاد والمصالحة يبدو أمراً ممكناً، إلا أن السؤال يزداد جدية عندما نصل إلى محور الأمن، فمن هم هؤلاء الذين يمكنهم تمثيل هذا الجانب من دون أن يطاولهم ظل الانتهاكات أو شبهة الانحياز؟ فالأمن في ليبيا ليس مؤسسة موحدة بقدر ما هو شبكة معقدة من سلطات أمر واقع، من معسكر خليفة حفتر شرقا إلى المجموعات المسلحة في الغرب، مروراً بتشكيلات محلية تتبدل ولاءاتها بتبدل موازين القوة. فهل تقصد البعثة هذه الكيانات حين تطلب من المؤسسات الليبية ترشيح ممثليها؟ وإن كان الأمر كذلك، كيف يمكن حينها تحقيق معاييرها التي حددتها لاختيار أعضاء الحوار، ومن بينها ألا يكونوا متورطين في أي انتهاكات أو تجاوزات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، أو متورطين في خطاب الكراهية، فهو شرط يكاد يستبعد معظم الفاعلين الفعليين في المشهد الأمني!
وبصرف النظر عن هذا المعيار، الذي يبدو مثالياً، فالواقع يؤكد أن كل طرف يحمل رؤيته الخاصة للأمن لتثبيت مكاسبه. فكيف يمكن لـالحوار المهيكل الذي يطمح إلى بناء جسور تفضي إلى توصيات قابلة للتنفيذ، أن يتجاوز حدة الانقسام الأمني الذي لا يزال عميقاً، وسط خلافات جذرية تجعل ما ينتج منه توصيات معلقة في الهواء.
أما إذا كان المقصود بمحور الأمن إشراك خبراء لا قادة عسكريين، فالسؤال أي خبراء يمكنهم تمثيل واقع أمني متشظّ داخل مجموعات الغرب المسلحة، ومن يمثل نفوذ حفتر في الشرق؟
ارسال الخبر الى: