لم يعد بإمكان أهل محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية الاستمرار في تلقي آثار انحلال الدولة السورية من العطش إلى تجاوزات مكاتب البعث والمليشيات الإيرانية ثم جاءت تلك الإجراءات الاقتصادية أخيرا لتضرب في صميم معيشتهم وتجرهم كما غيرهم من أبناء المناطق والطوائف الأخرى في فقر جديد مقيم تراهم اليوم نزلوا إلى الشارع في ساحة الكرامة مرة أخرى حولوها إلى خلية نحل يوميا وأسبوعيا ينزلون إليها ومطالبهم واضحة رواتب ماء كهرباء خبز وقود جوازات سفر للراغبين بالرحيل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين تحديد مدة الخدمة العسكرية والأهم من ذلك كله تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 القاضي بحل سياسي نهائي للحرب السورية ولمحة سريعة على الهتافات التي أطلقها متظاهروها اليوميون وإصرارهم على الربط بين هذه المطالب وسلطة بشار الأسد تعيدنا عشر سنوات إلى الوراء في عز الثورة الأولى ما صار ممكنا اليوم تسميتها الموجة الأولى شعارات مثل سورية لينا وما هي لبيت الأسد وعاشت سورية ويسقط بشار الأسد سورية حرة حرة وبشار يطلع برا الشعب يريد إسقاط النظام وهذا الربط بين هذه وتلك من النواحي أي الاقتصادي بالسياسي كفيل وحده أن يحيي ما يتجلى في قلوب السوريين القاطنين في مناطق أخرى من طوائف أخرى مثل سنة دمشق وحلب أو من تبقوا منهم وعلويي الساحل والجبل العلوي وصدى صرخة السويداء في هذه المناطق فردية معزولة وخافتة لم تسعفها الجغرافيا في إطلاق العنان لدواخلها يبقى المسيحيون الذين لا يحسب لهم أحد حسابا كونهم لا أصحاب مدن ولا مناطق كيف يمكن رصد موقف المسيحيين نقطة أخرى تضيفها انتفاضة السويداء أنها خالية من سوسة الأصولية الدينية صحيح أن قادتها البارزين اليوم من مشايخ عقل الطائفة الدرزية ولكن هؤلاء على الصعيد الفلسفي إذا جاز التعبير هم من الرجال المحافظين التقليديين وهذه الأخيرة مع كل تقليديتها المحافظة تسمح بنوافذ من الحرية والتفكير تقيها من الإخوانية أو السلفية أو الداعشية على الأسد أن يحمي نظرية حماية بقية الأقليات بأن لا تتمدد روح السويداء الجديدة إلى بقية الطوائف يصف الكاتب السوري مازن عزي التيارات الداخلية في انتفاضة السويداء ولا أثر فيها لأي أصولية يقول الأول إن لا حل في السويداء إلا عبر القرارات الدولية السلمية والثاني من دعاة الإدارة الذاتية على غرار الإدارة الذاتية الكردية لشمال شرقي سورية ويضيف عزي أن بين هذين التيارين مجموعة واسعة من الأفكار الوسطية التوفيقية البراغماتية وفي أطراف هذين التيارين أو داخلهما ثمة تياران آخران بحسبه واحد راديكالي إيديولوجي ذو أفكار يسارية قومية والآخر عسكري وفي صدارته حزب اللواء الذي يراهن على صراع عسكري مع النظام هذا كله مناخ شجع نساء السويداء للنزول إلى الساحة سافرات وبطريقة مختلفة عن الجمهور النسائي المطلوب من أجل الصورة وحسب إنه اليوم الجمهور النوعي والكمي ليس هذا النزول إلى الشارع جديدا ولكنه اليوم يتصدر المشهد وتقوم النساء فيه بأدوار تختلف عن مجرد المناصرة والحشد فهن يشتركن بصياغة الشعارات ينظمن الاعتصامات في الساحة يشاركن في يومياتها وفي اجتماعات ناشطيها وفي ابتداع أشكال التعبير بالكلمة أو الرسمة واللحن وفي إشراك الأطفال بهذه الأنشطة وكتابة ما سميت رسائل تشجيعية للذين يتباطأون بالنزول إلى الساحة أما المعارضة المعروفة بجمهورها وبعض كتابها فهي تشكك بالانتفاضة وكلما اقتربت من الإسلام السياسي تعصبت لطائفتها ارتفعت درجة هذا التشكيك وهي ردة فعل مذهبية لا تستطيع أن تستفيد من كون هذه الانتفاضة تضرب نظرية الأسدية التي سمحت له بقتل السنة على قاعدة حماية الأقليات من دروز ومسيحيين وعلويين وعرفت الطائفة الدرزية ولاء إجماليا للأسد قبل انتفاضتها كانت من الطوائف التي يحميها الأسد نظرا إلى بقائها على الحياد حياد بمعنى قبول أو رضوخ للأسد ومع انقلابها حاليا على الأسد أن يحمي نظرية حماية بقية الأقليات بأن لا تتمدد روح السويداء الجديدة إلى بقية الطوائف كي لا ينهار عرشه نهائيا أو يتشوه بمزيد من التقرحات ماذا يفعل الأسد في هذه الحالة يعزل السويداء يحاول خنقها بالحصار يلجأ إلى دروز محسوبين عليه يؤلبهم على الشيوخ والأهل والمنتفضين ومنهم بعض دروز لبنان يجند جيشه الإلكتروني يبطش بالأصوات الفردية التي خرجت من معقله الطائفي وبأن هؤلاء المنتفضين إنما هم انفصاليون خونة عملاء الإمبريالية والصهيونية إرهابيون من جماعة داعش الصين حليف لطيف وشبه صامت للأسد فهي في مجلس الأمن تضع الفيتوات على قرارات تتعلق بحماية الشعب السوري من جرائمه مثل السلاح الكيميائي ولكن عبثا الانتفاضة مستمرة وبشار الأسد في النتيجة يواجه معضلة حقيقية تبعده عن ردة الفعل الدموية والساحقة التي اعتمدها في الموجة الأولى من الثورة عليه إذ عليه أن يقرر إما أن يهمل هذه الانتفاضة ويتركها تتعمق وتتمدد وتكتسب خبرة المواجهة السلمية فتهدد معقله وعرشه أو أن يعتمد نهجه السابق فيسحق أهلها ويقتلهم ويفقد بالتالي صفة الاستقرار في مناطق سيطرته والتي يتباهى بها هو لا يستطيع أن يقرر لا هذا الخيار ولا ذاك فماذا يفعل يسافر إلى الصين خمسة أيام خمسة أيام رسميا لحضور افتتاح دورة رياضية آسيوية وعمليا كما يتباهى هو والقادة الصينيون لعقد شراكة استراتيجية فهم منها أنها اقتصادية بالدرجة الأولى تدخل في نطاق طريق الحرير الصيني القائمة على بنى تحتية تحتاج إليها هذه الطريق فضلا عن تمويل وصداقة وإعادة إعمار ولهذا الكرم الصيني سوابقه من أيام الموجة الأولى للثورة السورية الصين حليف لطيف وشبه صامت للأسد في مجلس الأمن تضع الفيتوات على قرارات تتعلق بحماية الشعب السوري من جرائمه مثل السلاح الكيميائي والصين أيضا حليف روسيا وإيران وبهذه الخطوة تكمل الصين إحدى قطع خط الحرير البري والبحري وهلل معلقو الممانعة لهذا التحول الصيني اعتبروه إنجازا متأخرا صفحة جديدة منفعة مشتركة قادر على الصمود انتعاش نهاية الحذر لا بديل عنها وكاد أحدهم أن يتكلم عن انتصار جديد للأسد مع هذه الشراكات الثلاث سوف يحتاج بشار إلى ضعف ذكاء أبيه وحظه لينسق بينها الصين وروسيا وإيران ونحن إزاء اتفاقية شراكة استراتيجية ثالثة يعقدها الأسد مع منقذيه في البداية كانت الشراكة مع إيران التي استقدمت مليشياتها للقتال إلى جانبه بناء على استغاثة منه ثم عندما عجزت هذه المليشيات عن تحقيق ما جاءت من أجله كانت الشراكة الاستراتيجية الثانية مع الروس بقواعدها العسكرية ومليشيات فاغنر والآن مع السويداء مع استفحال الفقر والترهل المعيشي والإفلاس يقيم الأسد شراكة استراتيجية ثالثة مع الصين وسلاحها المال المسماة استثمارات والبنى التحتية الخاصة بطريق الحرير ومع هذه الشراكات الثلاث سوف يحتاج بشار إلى ضعف ذكاء أبيه وحظه لينسق بينها الصين وروسيا وإيران كلهم شركاء استراتيجيون نعم ولكن إذا كان الإيرانيون يتنافسون مع الروس رغم تقسيم العمل أرض جو القائم بينهم فكيف سينافس الصينيون الاثنين وكيف يتنافس الثلاثة على أي حصة أو قاعدة وهل يكون هناك أصلا تنافس مثل الذي يحصل بين الروس والإيرانيين أم أن التنين الصيني سيلتهم الاثنين بقفازات من الحرير الفاخر إنها مرحلة جديدة في سورية أضيف رقم صعب إلى عدد محتلي أراضيها من خصوم وشركاء رقم يحول سورية إلى دولة يقيم على أرضها العدد القياسي من الاحتلالات ستة احتلالات ناعمة وخشنة ترتب على عقل السوريين التواقين إلى الخلاص تمارين جادة على كيفية النظر إليها والتعامل معها كلها