الأدباء المغاربيون والإقامة في المنفى
لم يعد المنفى في كتابات الأدباء المغاربيين وحشاً يمعن في افتراس المواقف واللغات والهويات، ولم يعد مكاناً اقتلاعياً قسرياً يتشكل فيه الالتباس، بل خضع للاتساع، وانتهى به المطاف إلى عدم التمسك بمعناه الأصلي الذي يتغذى على الإغراء الوجودي للمواجهة مع سلطة المستعمر، كما نجد في كتابات الأدباء الرواد، أمثال ميلود فرعون، ومحمد ديب، وكاتب ياسين، وإدريس الشرايبي، وآسيا جبار وآخرين.
لقد اتسع مفهوم أدب المنفى ليصبح، على المستوى المغاربي، دالاً على أدب الغربة والهجرة والاقتلاع والتشرد وعدم الملاءمة مع الواقع. كما تحول إلى تجربة مجازية لا تفوح برائحة الهروب من عسر ما، بل تدل على النظر إلى العالم وإلى تجارب البشر بعيون جديدة، إذ لم تعد المواجهة مع القمع والاستبداد فقط هي ما يشعل روح الكتّاب المنفيين. ذلك أنهم يرتبطون ببعضهم بعضاً، وليس بما يزلزل أركان الروح، ويدعوها نحو تأمل جديد في معنى الوجود والفن. فإذا كان عبد اللطيف اللعبي، مثلاً، يمثل نموذج المنفي السياسي بعد التجربة المريرة التي قضاها في السجن مع رفاقه في حركة إلى الأمام المغربية اليسارية، فإن الطاهر بن جلون، يمثل رنين الأجراس المثبتة على قبعة كاتبٍ سعيد بمنفاه، ولا يسعى إلى أي علاج من اغترابه، كما لا يهمه سوى تصميم شخصيات عالقة بين الغرائبية والخطاطة النهائية للتمدن الغربي.
أما أدباء آخرون، من الجيل الجديد، أمثال مصطفى الحمداوي وحنان الدرقاوي ومحمد حمودان، فتمثل نصوصهم انكساراً للغة نحو وهم النجاة من الانتماء إلى قسوة ما. قسوة الواجهة القاتمة للثقافة المغربية، لأنهم يدركون أن اللغة لا تتيح لهم النظر من الزجاج الملون للمنفى.
ولا يمكن تهدئة هياج المنفى في نصوص هؤلاء الكتاب بالمسكنات، إذ تعكس وعياً كبيراً بضرورة إعادة التموقع، فكرياً وفنياً، أمام متغير المنفى وتحويله إلى آلة لإضاءة الانتماء إلى الوطن. وهذا ما نلاحظه مع الجيل الجديد باختلاف توجهاته، إذ يعمل هؤلاء على تفكيك هوياتهم بوعي تام، ذلك أن المنفى أصبح، في تجربة واسيني الأعرج، على سبيل المثال، وسيلة لاستعادة الذات لأنه تجربة إنسانية وثقافية، كما نلاحظ
ارسال الخبر الى: