هل اقترب الصراع بين إيران والكيان من جولة الحسم

٥٧ مشاهدة
تهيمن على عقول المراقبين لما يجري في المنطقة خاصة عقب فوز دونالد ترامب بولاية ثانية لرئاسة الولايات المتحدة رؤيتان متناقضتان تدوران حول كيفية التعامل مع إيران في المرحلة المقبلة الأولى متشائمة ترى أن الأوضاع في المنطقة تتجه حتما نحو حسم عسكري ينتهي بسقوط النظام الإيراني شرطا ضروريا لاستقرار المنطقة من المنظورين الأميركي والإسرائيلي والثانية متفائلة ترى أن ترامب مقاول يتقن فن إبرام الصفقات الكبرى وليس جنرالا يعشق شن الحروب وأن الأوضاع في هذه المنطقة باتت ناضجة بما يكفي لتمكين رئيس أميركي جسور من بلورة وفرض تسوية شاملة تشمل إيران أيضا وبينما ترتكز الرؤية المتشائمة لمسار الأحداث على فرضيات وشواهد تنطلق من إيمان راسخ بأن الصراع الممتد بين إيران والكيان الصهيوني الذي بدأ منذ اللحظة الأولى لنجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وما زال محتدما غير قابل للتسوية السلمية ولا يمكن حسمه إلا بحرب خصوصا بعدما أصبحت إيران تشكل تهديدا وجوديا للكيان ترتكز الرؤية المتفائلة للأحداث على فرضيات وشواهد أخرى تنطلق من قناعة بأن الحرب المحتدمة حاليا أفرزت نتائج من شأنها إنضاج الشروط اللازمة للتوصل إلى تسوية شاملة عقب دخول ترامب البيت الأبيض يبدو الصراع بين إيران والكيان غير قابل للتسوية بسبب طبيعة الثورة الإسلامية في إيران من ناحية وطبيعة العلاقات التي ربطت النظام الإيراني القديم بكل من الولايات المتحدة والكيان من ناحية أخرى فالنظام السياسي الذي استقر في إيران بعد الثورة هو نظام عقائدي يتعامل مع الصراع من منظور إسلامي راديكالي وبالتالي يدرك المشروع الصهيوني باعتباره خطرا على الإسلام والمسلمين ككل وعلى هوية إيران الحضارية والدينية ولأن الثورة الإيرانية اندلعت أصلا ضد نظام الشاه الذي ربطته علاقات وثيقة بكل من الولايات المتحدة التي يعتبرها النظام الإيراني شيطانا أكبر وبالكيان الصهيوني الذي يعتبره شيطانا أصغر فقد كان من الطبيعي أن يشتعل الصراع بين تلك الأطراف الثلاثة منذ اللحظة الأولى لاندلاع هذه الثورة وأن تظل نيرانه متقدة صبت عملية إدارة هذا الصراع في النهاية لمصلحة إيران صحيح أن الكيان وبالتعاون الوثيق مع الولايات المتحدة بذل جهودا مضنية لعرقلة مسيرة الثورة الإيرانية وللحيلولة دون تمكينها من ترسيخ جذورها في التربة الإيرانية ومن انطلاقها نحو آفاق أرحب غير أن هذه الجهود فشلت فبعد النجاح في استدراج العراق لخوض حرب مريرة ضد إيران امتدت ثماني سنوات واستهدفت استنزاف البلدين معا وإشعال فتنة طائفية في المنطقة قبلت إيران تجرع كأس السم حين وافقت على وقف إطلاق النار وراحت تتفرغ بعد وقف الحرب لعملية البناء الداخلي ونجحت في تشييد دولة قوية قادرة على مد نفوذها خارج حدودها الجغرافية مستفيدة من عوامل ثلاثة أخطاء ارتكبتها الولايات المتحدة خصوصا عقب احتلالها العراق الذي حولته لقمة سائغة للنفوذ الإيراني وفراغ تركته الدول العربية بعد تخليها عن القضية الفلسطينية خاصة عقب إقدام السادات على إبرام معاهدة سلام منفرد مع الكيان ملأته إيران وتعنت مارسه الكيان برفضه إقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود 1967 وإصراره على بناء دولة يهودية كبرى مهيمنة في المنطقة ما أدى إلى فشل محاولات التسوية السياسية من ناحية وتصاعد حركات المقاومة التي أصبحت إيران هي داعمها الرئيس ومزودها الأكبر بالسلاح من ناحية أخرى وهكذا وجد الكيان الصهيوني نفسه عشية طوفان الأقصى محاطا من كل جانب بحلفاء لإيران بل أصبحت إيران نفسها دولة تمتلك برنامجا نوويا وآخر صاروخيا مكناها من أن تصبح لاعبا مؤثرا في المنطقة ترامب لا يريد حربا شاملة مع إيران لأن هذه الحرب ستؤثر سالبا في استراتيجيته الرامية إلى إعادة بناء أميركا من الداخل لم تكن إيران على علم مسبق بنوايا ومخططات حركة حماس حين شنت طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023 غير أن التفاعلات الناجمة عن هذه العملية الفذة غيرت تماما شكل ومعطيات الصراع في المنطقة وفي العالم خصوصا بعدما رد الكيان بشن حرب إبادة جماعية على الشعب الفلسطيني وحاول انتهاز الفرصة لمواصلة مشروعه التوسعي الذي لا يكتمل إلا بإقامة دولة يهودية كبرى وفي سياق هذه التفاعلات وجد الكيان الصهيوني نفسه وللمرة الأولى في تاريخه مشتبكا في حرب تدور رحاها في عدة جبهات بما في ذلك جبهة إيران التي تبادلت الهجمات معها مرات عدة وتمتد ما يزيد عن 14 شهرا ولا تزال مستمرة لم تنته هذه الحرب بعد لكن القراءة المتباينة لما أسفرت عنه من نتائج حتى الآن وتأثيراتها في مستقبل الأحداث في المرحلة المقبلة خصوصا بعد وصول ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة أدت إلى انقسام المراقبين إلى فريقين كما سبقت الإشارة يرى الفريق المتشائم أن الظروف أصبحت ناضجة لتوجيه ضربة تؤدي إلى تدمير برنامجي إيران النووي والصاروخي قوية بما يكفي لإضعاف أو حتى إسقاط نظامها السياسي وتستند رؤية هذا الفريق إلى حسابات مفادها أن جميع حلفاء إيران في المنطقة أضعفوا وأصبحوا في طريقهم إلى الخروج من ساحة ومعادلات الصراع في المنطقة ففي الساحة الفلسطينية دمر قطاع غزة بالكامل وأصبح يحتاج إلى سنوات طويلة لاستعادة عافيته وحماس ومعها بقية المنظمات الفلسطينية المسلحة تخوض الآن معركة ميؤوسا منها صحيح أنها لا تزال تحتجز بعض الأسرى الأحياء رغم مصرع ما يزيد على 30 منهم ولا تزال قادرة على القيام بعمليات عسكرية تلحق خسائر يومية بجيش الكيان غير أن بوسع بنيامين نتنياهو تجاهل قضية الأسرى من دون أن يؤثر ذلك في تماسك حكومته ونجح في ذلك لفترة تزيد عن عام كامل والخسائر التي يتكبدها جيشه في غزة حاليا قابلة للاحتمال خصوصا في ظل حكومة يمينية متطرفة تحكم إسرائيل حاليا وبالتالي سيقتصر تأثيرها في المدى الطويل وفي الساحة اللبنانية فقد حزب الله جزءا لا يستهان به من قدراته وإمكاناته المادية والبشرية واضطر لوقف مساندته العسكرية للفصائل الفلسطينية حين قبل وقف إطلاق النار ما أدى إلى الفصل بين الجبهتين اللبنانية والفلسطينية ويواجه الآن وضعا داخليا صعبا خصوصا بعد الدمار الكبير الذي لحق بالجنوب اللبناني وبالعاصمة بيروت ما يجعله غير جاهز لاستئناف القتال حتى لو أراد وفي الساحة السورية نجحت القوى المناوئة لنظام الرئيس بشار الأسد في إشعال الحرب في شمال سورية من جديد وتراهن قوى كثيرة معادية لإيران والمقاومة على سقوط النظام السوري وقطع الإمدادات عن حزب الله ويرى أنصار هذا الفريق أن هذا هو الوضع الإقليمي الأمثل لتوجيه ضربة لإيران تغير موازين القوى في المنطقة فحتى إذا لم يكن ترامب راغبا في توريط الولايات المتحدة مباشرة يرجح أن يوافق على فرض عقوبات شديدة القسوة على إيران وألا يمانع في مد الكيان بأنواع الأسلحة والوسائل كلها التي تمكنه من تنفيذ الضربة المأمولة بنجاح يرى النظام السياسي الإسلامي في إيران بعد الثورة المشروع الصهيوني خطرا على الإسلام والمسلمين ويرى الفريق المتفائل أن جبهة المقاومة لا تزال متماسكة وقادرة على الصمود فترة طويلة وأن ما حققته من نتائج في هذه الحرب يمكن أن يمهد الطريق لصفقة شاملة فترامب لا يريد حربا شاملة مع إيران لأن هذه الحرب ستؤثر سالبا في استراتيجيته الرامية إلى إعادة بناء أميركا من الداخل والتفرغ لترتيب أوراقه التفاوضية في مواجهة اقتصادية كبرى قادمة مع الصين ولأن جميع الأطراف في المنطقة وفي رأسها الكيان الصهيوني في حالتي إرهاق واستنزاف كبيرين يتوقع أن يتوافر لديها دافع للموافقة على صفقة متكاملة إذا ما وجد كل طرف فيها بعض ما يبحث عنه خصوصا أن ترامب يملك كثيرا من أوراق ووسائل الضغط ويعرف كيف يستخدم خيوطها المتشابكة والمعقدة في نسج الصفقات الكبرى ويفترض هذا الفريق أن ترامب قادر على استخلاص الدروس المستفادة من تجربته السابقة مع دول المنطقة ومن ثم فربما يكون قد أدرك أن ما أظهره من تهور إبان فترة ولايته الأولى أدى إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس التي اعترف بها عاصمة موحدة للكيان وإلى الموافقة على ضم الجولان إلى الكيان وإلى إصراره على تمرير صفقة القرن من خلال الضغط على الدول العربية للتطبيع مع الكيان وإبرام اتفاقيات أبراهام لكن ذلك كله لم يسفر عن إيجاد تسوية مقبولة للقضية الفلسطينية وربما يكون قد ساعد على وقوع الانفجار الذي سمع دويه عبر طوفان الأقصى ولأنه يفترض أن يكون قد أدرك الآن أن انسحابه من اتفاق البرنامج النووي الإيراني عام 2018 وإقدامه على فرض عقوبات شاملة على إيران لم يؤديا إلى إضعافها أو إلى إسقاط نظامها بل ساعداها في الاقتراب من العتبة النووية وامتلاك ترسانة كبيرة ومتطورة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة لذا لا يستبعد هذا الفريق أن يكون ترامب قد أدرك أن المنطقة لن تستقر وتنعم بالسلام إلا إذا أصبحت إيران طرفا في أي صفقة تتعلق بوقف الحرب والبحث عن تسوية وبالتالي يأمل أن تشهد المنطقة نسخة مختلفة من ترامب قادرة على مساعدتها في الدخول في مرحلة تسويات وصفقات سياسية وليس حروبا كبرى وعلى أي حال فبعد أسابيع قليلة ستتعرف المنطقة على ترامب الحقيقي الذي سيبدأ ولايته الثانية والأخيرة ونأمل أن يكون قد أدرك أن السياسة التي سينتهجها تجاه إيران هي التي ستشكل المفتاح الرئيس لقضايا الحرب والسلام في المنطقة

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح