اعترافات حبيسة الأدراج

53 مشاهدة

تتحرّكُ بين أفكارك كما يتحرّك العابر في غابةٍ لا خرائط لها، فكلّ خطوة تُضاء بالحدْس وحده، وكلّ انحناءة شجرة تحملُ ظلالاً لذكرياتٍ لا يشترك فيها أحد سواك. وحين تخرج من هذه الغابة المثقلة بتقلّباتك، وتحاول أن تتحدّث عن ذلك الطريق الذي مشيته في وحدتك، تفاجأ بأن مَن أمامك لا يفهم شيئاً. لا لأنك أخطأت التعبير، بل لأن المسافة التي قطعْتها كانت ذهنيةً ومتشابكةً بما لا يُرى، وهم ما زالوا في نقطة البدء، في الخارج، أو على حافّة الغابة.
ذلك الألم العابر الذي يمرّ بك ويترك في قلبك ندبةً غير مرئية، قد لا يحتاج إلى صيحة أو دمعة، بل إلى أحدٍ يعرف ما الذي يعنيه أن تنهض من سريرك وفي قلبك خواء يشبه بئراً جفّ ماؤها فجأة.
تمضي إلى عملك أو إلى حديثك المعتاد، وفي داخلك ضوضاء لا يسمعها أحد. وفي اللحظة التي تظنّ أنك وصلت إلى لحظة مكاشفة، تقرّر أن تقول وتشرح وتكشف قليلاً من ذلك الداخل المعتم، تصطدم بأن الكلمات عاجزة، أو أن الآخر عاجز عن استقبالها. لا يعرف المرء أيهما أسبق في الخيانة؛ اللغة أم المُستمِع.
أن تشرح ألماً لا يعرفه سواك، يشبه أن تصف مذاق الرماد لمن لم يحترق قط. لا ذنب له، صحيح. ليس عليه أن يشعر بما لم يعشه. لكنّ تلك الفجوة بين التجربة واللغة، وبين المعاناة والتوصيف، وبين الذكرى التي تحفر أخاديدها في القلب، والعبارة التي تحاول أن تحيطها، تبقى فجوةً مؤلمةً. ومن المؤلم أيضاً أن تتكرّر في كلّ محاولة جديدة للبوح، هذه الخيبة المتكرّرة في الفهم. خيبة أن ترى في أعين من تحبّهم عجزاً أو لامبالاةً أو مجرّد نظرة شفقة سطحية، لا تلامس شيئاً ممّا أردتَ قوله.
ليس كلّ ما يقال يُفهم، وليس كلّ ما يُفهم يُشعر. وهذا تحديداً ما يصنع العزلة الأعمق. ليس الانزواء عن الناس، ولا البعد الجسدي، بل تلك العزلة التي تُبنى من تراكُم اللحظات التي شعرت فيها أنك تقول ولا يُسمَع، تُفصح ولا يُفهَم، تُنادي ولا يُستجاب لك. عندها

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح