في التحليل السياسي ثمة خمسة أنواع من الأسئلة التجريبية أو الاستقصائية التي يمكن الإجابة عنها عبر المعلومات والمعطيات والملاحظة والتجربة والخبرة مثل هل يؤدي ارتفاع الحد الأدنى للأجور إلى ارتفاع معدلات بطالة الشباب والأسئلة المعيارية التي لا يمكن الإجابة عنها إلا من خلال النقاش الفلسفي والاستدلال المنطقي والاستنتاج الموضوعي مثل هل المجتمعات الحرة أكثر تقدما والأسئلة المفاهيمية التي تدور حول المعنى الصحيح المفيد الفعال للكلمات مثل ما الحرية والأسئلة التطبيقية التي تسعى إلى إيجاد حلول لمشكلات اجتماعية أو سياسية أو تجارية معينة وتنقسم إلى أسئلة تنبؤية ماذا سيحدث إذا وأسئلة علاجية ما الحل لـ والأسئلة التصميمية كيف وأخيرا الأسئلة غير القابلة للإجابة التي ببساطة لا توجد لها إجابات مثل متى بدأ الزمان ما مصير الروح بعد الموت وكيف وجد الكون وأخشى أن يكون واقع البؤس العربي وكيفية الخروج منه قد دس نفسه في الأسئلة غير القابلة للإجابة هذه ليست دعوة لليأس والإحباط لكنها توصيف لحال كئيب لا يمكن لنا أن نتجاهل حقيقته بدعاوى أمل زائفة إذ إن الأمل يطلب ويصنع صناعة ولا ينجز بالرغبات والتمنيات وهنا بيت القصيد لا يعني ما سبق أنه لا توجد مشاريع جادة عميقة ورصينة وجهود مخلصة وحثيثة لتقديم إجابات وحلول للتحديات البنيوية والوجودية التي نواجهها عربا غير أنها مهمشة ومحاربة وهكذا فإن واقعنا يشهد على أن ثمة عجزا ذاتيا في الإرادة وغيابا للرؤية والاستراتيجيا وتوهانا للبوصلة الضابطة لمسارنا وانهيارا جمعيا لمنظوماتنا الفكرية والسياسية والأمنية والأخلاقية يكفي أن تلقي نظرة فاحصة كاشفة إلى الواقع العربي من المحيط إلى الخليج لتدرك مكامن الخلل والحجم الفادح للأضرار المترتبة عليها إننا نبدو كمن يصر على أن نتذيل الأمم وأن تكون دمائنا مسفوكة مجانا من دون ثمن وعلى أن تكون حرماتنا حمى مستباحا لكل عاد ومعتد وثرواتنا مشاعا للإمبرياليين القدامى والجدد مع ترك بعض الفتات لوكلائهم بيننا أما نحن الشعوب فلا يهتم أحد للسحق الذي نرزح تحت وطأته فقد تكالبت علينا أثافي الشر كلها العدوان الخارجي والقمع الداخلي والفساد والجهل والتخلف دع عنك الفرقة والتشتت والدوران حول الرحى من دون بوصلة ومن دون هدف ولا غاية حتى نحن الذين نبكي دما على جرح غزة النازف غالبنا الأعظم يكتفي بذلك كمدا وقهرا مرة أخرى ليس هدف هذه السطور بث صورة سوداوية لواقعنا وترسيخها بل التنبيه إلى أن الخروج منها لن يكون قدريا أو عفويا أما إنكار الحال الذي نحن عليه وفيه أو الإقرار به والرضوخ له فسيكون كارثيا وما نحن فيه وعليه إلا نزر يسير مما قد نصل إليه إذ إننا ما زلنا في حالة سقوط حر لم نرتطم بالقاع بعد انظر إلى الواقع المخزي في السودان حيث لا يكتفي العسكر بتدمير بلدهم ونهبه ولا الأخ بقتل أخيه وقهره بل ترى بعضهم يعتدون على أعراضهم ويغتصبون حرماتهم يفعل كثير منهم ذلك وسط تكبيرات النصر وكأن التكبير يسبغ الحلة على الجريمة والبذاءة والفواحش انظر إلى سورية أيضا فباسم الممانعة والتصدي لإسرائيل استبيحت البلد ودمرت وها هي إسرائيل تعبث فيها كيف شاءت تقصف حين تريد في حين يلجأ النظام الممانع إلى منطق قطيع الغنم يثغو من دون أن يقاوم عضا أو جرحا وتضم إسرائيل أراضيه في الجولان المحتل من دون أن يحرك ساكنا المهم بقي الأسد ولتذهب سورية إلى الجحيم وإذا ما اخترنا هنا أن نمضي في سرد الأمثلة لسطرت صفحات في ذلك وكتب فكم من سودان وسورية في جسد هذه الأمة دع عنك واقع التخلف الذي تحياه دولنا إلى الارتهان إلى الأجنبي إلى الفساد والقمع الداخلي إلى وإلى قد يقول بعض إن في هذه الأمة ومضات أمل مضيئة وهذا لا شك صحيح نرى ذلك في الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في قطاع غزة لكن هل لهذا الصمود حاضنة عربية أم أن كثيرين من العرب لا يقلون تآمرا على غزة وأهلها من إسرائيل وأميركا ثم هل الصمود استراتيجية في حد ذاته لنكن صريحين لقد تركت غزة لتواجه مصيرها وحدها حتى نحن الذين نبكي دما على جرحها النازف فإن غالبنا الأعظم يكتفي بذلك كمدا وقهرا ومن ثم فإنه من الظلم الكبير والغبن الفاحش أن نعلق نهضة أمة وأملها على كاهلي قطاع غزة وأهله المنكوبين في حين نعفي أنفسنا من المسؤولية ونغفل الدور المطلوب منا نحن جميعا عربا هدف لجرائم الإبادة إنسانيا وتاريخيا وحضاريا ونفسيا وثقافيا وحقوقيا واقتصاديا تختلف أدوات الإبادة وتتبادل الأدوار من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان لكنها في المحصلة تتم في حقنا جميعا في حين يتظاهر معظمنا بأن ذلك لا يجري أو أنهم فعلا لا يدركون حقيقة الأمر أعود إلى معطى سبقت الإشارة إليه إن الأمل ليس مسألة إيمانية يقينية فحسب ولا هو مجرد شعار رنان وفكر جذابة بل إن تحقيقه يتطلب رؤية واعية واستراتيجية شاملة وخططا مدروسة وجهدا مستبصرا وحثيثا وتضحيات جساما وكبيرة بمعنى أنه يصنع صناعة ولا يشترى جاهزا ومعلبا بغير ذلك إن لم نستوعب حجم التحدي الذي نحن بصدده وطبيعة الاستجابة المطلوبة حينها ليس لنا أن نقول إلا ليس لها من دون الله كاشفة