استجبن في حرب الجبل

27 مشاهدة

مع انقلاب أديب الشيشكلي ضد سامي الحناوي عام 1949، خرج والدي العشريني من المعتقل، وأتمّ خدمته العسكرية في عهد الشيشكلي. ليس اكتشافاّ ولا سبقاً أنه في 1954، تحديداً في الشهر الأول منه، دخل أديب الشيشكلي إلى جبل العرب في محاولة منه لإخماد المعارضة الشعبية والسياسية المتصاعدة ضده، واستخدم الطيران في مواجهة مدينة صغيرة، حيث واجه مقاومة من القوى الوطنية والقيادات الدرزية الرافضة سياساته. ليس خافياً ما فعل وظل يفعل أديب الشيشكلي ورجاله حتى إطاحته، وبانقلاب شبيه. لست هنا بصدد استدعاء الماضي السوري، بتقلباته ومزاجيته وقتلاه. لا تهمني عبارات الخزي التي تسرّبت لوجداننا وتداولتها الجماعات اليوم كل بحسب أهوائه ونياته، من قبيل احذروا الجبلين. كل ما أردته من العودة إلى هذا الماضي هو تلك التهمة، أو ذلك الوسام، الذي لُصق بأبي ولازمه سنوات كونه استَجْبَن في حرب الجبل.
سألته مرة: لمَ استجبنت في الحرب؟
فقال: لم تكن حرباً. دخلنا إلى بيوت فيها نساء مرتاعات، أطفال يسكنون الزوايا، ورجال كبار في السن. كان عليّ أن أستجبن. اختصر الأستاذ ابراهيم الفارق بين الشجاعة والقسوة. بين أن تكون جندياً متوحشاً أو إنساناً. بين الحرب دفاعاً عن شيء ذي قيمة، أو التورط في عبث الانتقام. اختار أبي أن يكون جباناً لأن الجبهة التي اقتيد إليها لم تكن جبهة قتال، بل مدينة مأهولة بأهل وأخوة لا أعداء.
لم تكن لي أُم تحكي عن الأستاذ إبراهيم. وفي حياةٍ لم يكن فيها شيء نمطي يشبه باقي الأسر، استلم أبي أدواراً مغايرة: أم وأب، وأحياناً صديق لدود، أو جارة تراقب حياتي باهتمام غير مطلوب أو مرحب به. ومع كل هذا الجنون وتلك الفوضى، ربما من أمتع لحظات الصفاء بيننا كأسرة صغيرة حصاره، أنا وأخي، ليخبرنا عن ماضيه، فيبدأ وائل بجملته الشهيرة: احكيلنا عن حياتك يا زلمة.. ما منعرف عنك شيْ.
تتساقط من ذاكرته حكايات يقصها بتململ أحياناً، وبحذر أحياناً، وبندم دائماً، باستثناء مرة سألته فيها إن كان قد خجل من دخوله المعتقل، فانتفض قائلاً: أخجل؟ شو أنا حرامي؟.
اليوم،

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح