فوجيء لبنانيون يوم أمس الأول بالوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين والذي كان قد أنهى للتو لقاءه برئيس مجلس النواب نبيه بري في إطار مفاوضات غير مباشرة يخوضها لبنان مع العدو الإسرائيلي يترجل في شارع فردان البيروتي العريق مع الوفد المرافق له ويدخل مقهى ستارباكس هناك ويتقدم من البار ليطلب كوبا من الكافيه لاتيه رواد المقهى الذي يعاني من مقاطعة عالمية بفضل حركة بي دي أس بسبب استثمار الشركة الأم في الكيان الصهيوني هؤلاء الرواد الذين ينظر لبنانيون آخرون إليهم خصوصا في هذه الأيام بعين الغضب كونهم لا يلتزمون المقاطعة مع أن بلادهم تتعرض منذ ما يزيد عن الشهرين لواحد من أشرس العدوانات الإسرائيلية عليه فوجئوا بحضور هوكشتاين بينهم إلى درجة النهوض من مقاعدهم للتحلق حوله والاحتفاء به والتقاط السيلفي معه ليس هذا فحسب فقد تدافع بعضهم للتطوع لدفع فاتورته بحجة أنه لا يجوز للضيف أن يمد يده إلى جيبه ولو كان يمد يده إلى رقبة البلاد لم أر في حياتي حفلة تجتمع فيها الحماقة والتفاهة واللؤم الديبلوماسي بقدر ما رأيت في هذا الفيديو القصير الذي بثته قنوات التلفزيون المحلية في نشراتها الإخبارية في سياق أخبار المفاوضات من الواضح أن رواد المقهى الكائن في منطقة فردان في العاصمة اللبنانية وخصوصا أولئك الذين نهضوا من مقاعدهم والتقطوا السيلفي لم يقوموا بهذه الخطوة للتعبير عن موافقتهم على السياسة الأميركية تجاه بلادهم صحيح فمن الجلي أن الحركة جاءت في نوع من رد الفعل الفوري أمام شخصية مشهورة حركة عصرية تماما كما ضغط زر اللايك بدون تفكير للتعبير عن تعجب ربما أو دهشة وهذ التفسير بالطبع إن أحسنا النية ولنحسنها فالوقت ليس وقت انقسام أو فتنة يتوخاها العدو وأنصاره ويعملون عليها بنشاط في الداخل والخارج نعاني من نقص مناعة تجاه الغرب هناك رغبة بالتماهي معه ولو كان ذلك على حساب الكرامة الوطنية لكن من المتعذر تخفيف أثقال حركتهم تلك من دون وصفها بأدنى ما تستحقه فلنقل إنها تسرع ولدنة حماقة في أحسن الأحوال ولو أن الجلوس والاستهلاك في ذلك المقهى أصلا يحمل ما فعلوه مضامين أثقل بكثير أقل ما يقال فيها وفيهم أنها نتيجة تبلد بالمشاعر فأما الحماقة فقد فصلناها ولكن أين اللؤم تماما في تلك الحركة التي قام بها الديبلوماسي الأميركي ذو الماضي العسكري الإسرائيلي والمفروض علينا وسيطا غير نزيه نظرا لتحيز بلاده المعروف في مفاوضات غير مباشرة مع العدو وذلك بالحد الأدنى لا أعتقد أن اختيار شركة أميركية تعاني اقتصاديا من المقاطعة وربط صورتها العامة بهذا الحدث في مناسبة تبدو إيجابية أي محاولة التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وبالتالي وقف الحرب أنه اختيار عشوائي وإن كان من الممكن أن يكون وليد لحظته وهذا دليل حنكة ديبلوماسية الفرنسيون خاصة ماهرون بهذا النوع من الإشارات ومع إني لا أريد أن أحمل المكان أي فرع ستاربكس شارع فردان الذي اقترن اسمه بواحدة من أبشع عمليات الاغتيال الإسرائيلية لثلاثة من قادة المقاومة الفلسطينية في العام 1973 أي معان إضافية إلا أن تفاصيل أخرى في شريط الفيديو القصير أشعرتني بغضب رهيب من مثال أن نائبا لبنانيا وهو من مدينة بنت جبيل الجنوبية والتي كانت في الوقت نفسه تتعرض لقصف إسرائيلي مركز في حين كان المقاومون يدفعون بلحمهم ودمهم وأرواحهم ثمن تصديهم لتلك القوات المعتدية التي تريد دخول المدينة وتحقيق نصر بري أن هذا النائب تحمس وتملكته شهامة الضيافة في غير محلها وتطوع لدفع فاتورة الكافيه لاتيه وما زاد الطين بلة اندفاع إحدى الزبائن التي قيل إنها من الخيام المدينة التي كانت تتعرض أيضا في الوقت نفسه وحرفيا لحزام من النار والقصف العنيف للترحيب بالشخصية الديبلوماسية المشهورة والتقاط صور سيلفي معها ولا بد أنها وزعتها لأصدقائها للتفاخر لم يتغير الكثير في الثمانية عشر عاما الأخيرة كل ما تغير أن ضيافتنا صارت كافيه لاتيه بدلا من شاي ثكنة مرجعيون لكن أكثر ما أشعرني بالغضب هو لؤم جواب هوكشتاين الذي بدا مبتسما باطمئنان نجم اللحظة ومستمتعا بالمشهد ذي المغزى الإعلامي للبنانيين يتهافتون حوله كما تتهافت الفراشات حول النار لا بل أن الأمر كاد يتطور لتشابك ودي بالأيدي كما يحصل بين أصدقاء قدامى يصر كل منهم على دفع الفاتورة لكن القمة كانت في تلك الجملة التي أظنه قالها بتذاك على حافة السخرية ولكني أرغب بإنفاق المال في لبنان كما لو أنه كان ينفق المليارات تماما كما تفعل حكومته في الكيان المعادي حسنا ماذا يقال أكثر من مجرد وصف المشهد في الشخصية اللبنانية التي تعاني عامة من نقص مناعة تجاه الغرب هناك رغبة بالتماهي معه ولو كان ذلك على حساب الكرامة الوطنية هناك مشهد مشابه اشتهر كثيرا خلال حرب تموز في العام 2006 حين قام عسكريون لبنانيون في ثكنة مرجعيون التي اقتحمها العدو بتضييف أكواب الشاي للجنود الأعداء يومها لاحق وزير الداخلية المسؤول عن الثكنة أحمد فتفت لقب ساخر حمله لفترة طويلة وزير الشاي فهو لم يستطع أن يقدم للبنانيين أي تفسير منطقي لما فعله العسكريون تحت إمرته ولم تقم الدولة بمحاسبته ومع ذلك استمتع هؤلاء وكل لبنان لثمانية عشر عاما بسلام فرضته دماء الشهداء في حرب تموز العام 2006 وحسن التفاوض على وقف إطلاق النار لكن ذلك لا يمنع أننا لا زلنا منقسمين بين مواطنين لا يتقبلون الاحتلال ويدفعون الثمن بأرواحهم وآخرين لا يتورعون عن احتفاء بغير محله خلال الحرب بوسيط يعلمون أنه غير محايد في أحسن الأحوال حاول بعض الأصدقاء إيجاد أعذار لهؤلاء المواطنين من نوع أنهم فوجئوا وأن النائب المذكور هو عضو في الفريق المرافق إلخ ربما لكن الثابت أنه لم يتغير الكثير في الثمانية عشر عاما الأخيرة كل ما تغير أن ضيافتنا صارت كافيه لاتيه بدلا من شاي ثكنة مرجعيون