من مفاجآت انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت أخيرا وبرغم صعود التيار اليميني المتطرف فيها إلا أن سياسيا مهووسا بنظرية المؤامرة في بعدها المتمثل بالمخطط الخيالي المسمى الاستبدال الكبير إيريك زمور استبعد منها وقد قال إنه تعرض لما يسميها مؤامرة من قريبة مارين لوبان ماري ماريشال لوبان سياسية ونائبة أوروبية الذراع اليمنى له في حزبه اليميني المتطرف عندما سعت للتحالف مع التجمع الوطني الحزب اليميني المتطرف ووريث الجبهة الوطنية محاولة تحقيق هدفين أولهما ذو طابع تكتيكي هو تمكين اليمين المتطرف من الوصول إلى رئاسة الحكومة في فرنسا في حالة الفوز بالأغلبية أو في إطار التعايش إذا فاز معه اليمين متمثلا بالحزب الجمهوري والثاني استراتيجي في أفق رئاسيات 2027 بتمكين قريبتها مارين لوبان أو مساعدها جوردان بارديلا من الوصول إلى قصر الإليزيه وقد سبق لكاتب هذه السطور في مقالات سابقة في العربي الجديد الإشارة إلى ما يثيره الكاتب والصحافي المشاكس إيريك زمور من إشكالات أوصلته إلى عديد من المتابعات والأحكام القضائية بتهم العنصرية وإثارة الكراهية وازدراء الآخر كل ما هو مسلم وعربي مغاربي أو مهاجر لينتهي به الأمر إلى حظر ظهوره في الشاشات باعتبار طموحاته السياسية ومنها ترشحه في رئاسيات 2022 في فرنسا يريد زمور ويحبذ بقوة إيجاد إسلام فرنسي مفرغ من كل مرجعية للإسلام إذ على المسلم أن يختار ما بين فرنسا والإسلام تركز الكتابات التي تناولت الرجل مسيرته وشخصيته وأفكاره على ارتباطاته بعديد من المنظمات اليمينية سواء التي تنشط في المجال الإعلامي أو التي تريد تمويل النشاطات السياسية اليمينية بالارتكاز على خلفية فلسفية تطورت عبر العقود الماضية وتعمل على بناء اقتصاد رأسمالي جديد لكن هذه المرة بإيجاد عدو قديم جديد بلبوس حضاري أوسع من العدو الماضي باعتبار أن الصراع حضاري ديني وعنوانه في المستقبل الاستبدال الكبير أو تأكيد رؤى أوزوالد شبنغلر 1936 بصفة خاصة في احتمال زوال الغرب وحضارته بفعل عوامل كثيرة منها الزعم أن الإسلام يتقدم لاحتلال أوروبا من خلال الهجرة بوجهيها الشرعي وغير الشرعي يريد إيريك زمور ويحبذ بقوة إيجاد إسلام فرنسي مفرغ من كل مرجعية للإسلام إذ على المسلم أن يختار ما بين فرنسا والإسلام وفق رؤيته للأمة وللإسلام دينا وقيما فيقول إن المسلمين لم يفرقوا أبدا بين ما هو زمني وروحي وفي النتيجة عليهم إذا أرادوا البقاء في فرنسا والعيش فيها مستقبلا إحداث تلك الثورة بإعلان تخليهم عن الروح والاحتفاظ بما هو جمهوري أي إعلان رفض المرجعية لكل ما هو إسلامي حتى بالنسبة إلى الأسماء التي على الأشخاص حملها عند مولدهم ما يكشف تبني ولائهم لفرنسا بقيمها وبعلمانيتها وبتاريخها أي ماثيو وجاك وكاترين بدلا من محمد ممادو أو مهاتير مثلا وفق تعبيره في بلاتوهات أكثر من قناة في مدى الأعوام الماضية يدعو زمور إلى تعديل القانون الخاص بالجنسية في فرنسا ليخرج عن المبدأ المعترف به عالميا أي منح الجنسية بمبدأ الأرض وليس الدم مركزا في جل أحاديثه ولقاءاته الإعلامية على أن الجنسية الفرنسية ليست وثائق وجواز سفر أو إقامة بل هي قيم وتاريخ وحضارة لا تمنح إلا لمن يثبت عرقا فرنسيا ويتخذ زمور مرجعا له كتابات بعض المتطرفين الداعين في القرن التاسع عشر على وجه الخصوص إلى العرقية والإثنية الضيقة وهو ما أثار ضده حتى بعض اليهود الذين هو منهم لأن دعواته تلك تحيي عندهم ما يعرف بالعداء للسامية ومختلف الذكريات ومنها المحرقة في الحرب العالمية الثانية من الدعوات الثورية التي أثارها زمور وعمل على جعلها محورية عقوبة الإعدام فلا يتوانى في كل لقاء إعلامي له عن القول إنه فلسفيا ضد قانون إلغاء عقوبة الإعدام في فرنسا ملمحا إلى أنه في حال دخوله قصر الإليزيه رئيسا لو انتخب في 2022 كما كان يحلم لاتخذ قرارا بالعودة إلى العمل بالعقوبة ضد بعض الجرائم المحددة دعا زمور أيضا إلى العودة بفرنسا إلى ما يسميه عصر الطهر الجنسي الطبيعي بعيدا عن التحرر الذي عرفته فرنسا على غرار دول غربية كثيرة من إقرار ما بات يعرف بـالزواج للجميع والاعتراف بالمثلية في إطار مبادئ نظرية الجندر النسوية التي طاولت كل مناحي الحياة حتى تلك التي لها صلة بالكتابة إذ لم يعد من المقبول الإشارة إلى المذكر والمؤنث بل هناك خيار لغوي ثالث أثار لغطا كثيرا بعد ذهاب إحدى طبعات القواميس الجديدة في فرنسا إلى اعتبار تلك الكتابة وإدراجها في مادة القاموس دار نشر لو روبار Le Robert أما دعواته الأخرى المثيرة للجدل فهي الأفكار التي اعتبرت رجعية بشأن صورة المرأة ومكانتها الاجتماعية في دولة مثل فرنسا بلغت فيها النساء مكانة تكاد تكون من المحرمات أن تلوكها الألسن بعبارات منتقدة لحريتها ولإدراك المجتمع لها في معطى المساواة وممارسة حقوقها كاملة في مختلف الأصعدة ذلك أن كتب إيريك زمور ولقاءاته الإعلامية كلها انتقاص لتلك الصورة والمكانة ويثير الصحافيون ذلك في مقابلاتهم معه أو عندما يوجهون الأسئلة له بشأن تلك الإشكاليات الخطيرة على مستقبل ترشحه للرئاسيات تشير دعوته الأخطر بالنسبة إلى السياسيين الفرنسيين من اليمين ومن اليسار على حد سواء إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي على غرار البريكست البريطاني وانتقاداته اللاذعة للمؤسسات الأوروبية التي يعتبرها خطرة على السيادة الفرنسية ومكانتها في المستوى الدولي ولا يكاد يمر لقاء إعلامي معه من دون أن يثير مسألة العملة الأوروبية والمؤسسات الأوروبية أو الاتحاد الأوروبي داعيا صراحة إلى إجراء استفتاء فرنسي للخروج من البناء الاندماجي الأوروبي مصورا ذلك استقلالا جديدا لفرنسا حاول زمور إعادة تعريف بعض المفاهيم المرجعية في خطاباته فهو بمعاداته كل ما هو مسلم ومهاجر وكل ثقافة غير أوروبية لا يعتبر نفسه عنصريا بل مدافعا عن الوجود الفرنسي ضد ما بات يعرفه ويستهدفه في عباراته وهو الاستبدال الكبير أو الخوف من نظرية الإحلال الاجتماعي للعنصر الغربي من المسلمين من خلال عامل الديمغرافيا كما يدعي باعتبار الزيادة السكانية المقصودة عمدا عند المسلمين وانخفاضها عند الفرنسيين رفض زمور الإبقاء على مفهوم الإسلاماوية في إطاره المعروف في الدراسات الأكاديمية بأنه التفسير الخاطئ للنص الديني والدعوة من خلال ذلك إلى ارتكاب أعمال عنفية ضد الآخرين من أتباع الأديان الأخرى بل وفق رأيه كل ما هو إسلامي فهو إسلاماوي ويعتبر الإسلام تبعا لذلك غير متلائم مع الديمقراطية والغرب ويجب احتواء معتنقيه من خلال التنشئة والثقافة والعلمانية وتغيير الأسماء أو الترحيل من فرنسا باعتباره الحل الأمثل للمهاجرين وخصوصا المغاربيين يصور إيريك زمور نفسه الفرنسي المثالي المدافع عن وجوده ويلتقي في عديد من خطاباته بشأن ذلك مع اليمينين المتطرفين الفرنسي والأوروبي يصور إيريك زمور نفسه الفرنسي المثالي المدافع عن وجوده ويلتقي في عديد من خطاباته بشأن ذلك مع اليمينين المتطرفين الفرنسي والأوروبي ويحاول أن يوجد في مخيال الناخب الفرنسي الذي يعيش أزمات عديدة جلها اقتصادي خطر الاستبدال الكبير إضافة إلى الإشكالات التي جاءت السطور أعلاه على بعضها معتبرا أنه المجدد لفرنسا وفارسها للعودة إلى مجدها القديم المجد الذي مات مع الجنرال ديغول ودفنه أو كاد جل من جاء بعده من اليمين واليسار خصوصا مع سماحهم بتطور ما يعرف وفق رأيه بالاتحاد والشراكة بين اليسار والإسلام في المستوى الأيديولوجي إذ إن كل ما يثور ضده والآن من إشكالات متولد من تلك الشراكة الخطرة على الهوية الفرنسية وبعد أن كانت فرنسا على وشك الانتحار عنوان أحد كتبه أضحت الآن بترشحه قريبة من أن تقول كلمتها الأخيرة عنوان أحدث كتبه بالعودة وبالإعلان أنها ما زالت أمة حية كما كانت وبما أن السياسة الفرنسية المقبلة قد تكون وفق هذا الخطاب في هذا المستوى وبمضمون هذه الإشكالات باعتبار أن السياسة فن الممكن خصوصا في الديمقراطيات الغربية فقد سعت مارين لوبان وقريبتها المزروعة في حزب إيريك زمور ماريان ماريشال لوبان لاستبعاده في تخطيط استراتيجي قد يوصل اليمين المتطرف للمرة الأولى إلى الإليزيه إذا نجح المخطط التكتيكي الآني في إيصال التجمع الوطني إلى رئاسة الوزارة في حال الفوز بالتشريعيات المسبقة القادمة نهاية يونيو حزيران الحالي وبداية يوليو تموز المقبل بالنسبة إلى الدورين الأول والثاني تكون تلك مسيرة إيريك زمور ونهايته السياسية التي ألمح هو نفسه إلى أنها قريبة وإلى أنه سيعود أدراجه إلى الإعلام متجرعا السموم التي حاول زرعها في مخيلة الناخب الفرنسي متمثلة في الاستبدال الكبير وانعدام الأمن والعداء للآخر وخصوصا المهاجرين المغاربيين