إما أن نموت معا أو نعيش معا

117 مشاهدة

إمّا أن نموت معاً أو نعيش معاً.. بهذه الجملة حسمت أمي قرارها بعد جهدٍ مستميت في محاولات عديدة للخروج من غزة. كانت المحاولة الأخيرة قد تكلّلت بالحصول على الموافقة لمغادرة القطاع بتأشيرة من مؤسسة المجد أوروبا، بينما قوبل طلبي أنا وأخي بالرفض للمرة الثانية على التوالي.

في بداية العدوان على غزة، وبعد نزوحنا الأول نحو مخيمات وسط القطاع وجنوبه، وتجربة العيش في جحيم المخيم، ثم اشتداد الحصار مع تدحرج الحرب المجنونة، تمكّنت أختي الكبرى، المقيمة في تركيا، من إجلاء شقيقتَيّ: إحداهما لم تتجاوز التاسعة عشرة، والأخرى لم تكمل الحادية عشرة من عمرها بعد.

وبعد خمسة أشهر من هذه الحرب المسعورة، لحقت بهما زوجة أخي وطفلتها الرضيعة، بصفتها مرافقةً لجريح. ولا أعرف تماماً إن كان ذلك من جميل حظّهن، أم أنه كان يرسم أولى ملامح شتاتنا كعائلة غزّية كانت تحاول أن تبقى متماسكة.

أمّا أنا ووالدتي وأخي الأكبر، فكان الردّ في كل مرة يأتينا كصفعة على الوجه: غير مُوافق عليه. كان الأمر ببساطة مرتبطاً بعامل العمر؛ فمن كان دون الثامنة عشرة يُسمح له بالمغادرة، بينما تُرفض في الغالب طلبات من تجاوزوا هذا العمر. وقد شكّل الأمر معضلة حقيقية أمام السفر من غزة، حتى بات الاستثناء الوحيد في ظل الحرب أن يُساوَم الشخص الذي لا ينطبق عليه شرط العمر على دفع مبلغ يناهز 5000 دولار مقابل السماح له بالمغادرة.

وهكذا بقينا هنا في غزة، نطوي عامين كاملين تحت جحيم الحرب، وفي أسوأ الظروف التي تندرج تحت مسمّى الموت البطيء: تجويع، وقصف عشوائي متواصل، وتشرد، وذل، ونزوح متكرر. تخلّت أمي هذه المرة عن رغبتها باللحاق بأختي بعد غياب دام أكثر من عامين. صغيرتان غادرتا وقد أصبحتا اليوم صبيّتين يافعتين.

ظنت أمي يوم غادرن أنه سفر يحميهنّ من موتٍ حتمي، ولم تكن تعلم أنّ الحرب جاءت علينا جميعاً، وأنهنّ عندما حملن متاعهن القليل وغادرن بعيداً، كنّ يمزّقن شيئاً منّا جميعاً. أدركت أمي ذلك متأخرةً، وعليه كانت جملتها هذه المرة:سنبقى في سفينة واحدة.
قالتها

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح