إسماعيل كاداريه صدمتان في عام 1988

٤٨ مشاهدة
في صيف 1987 استقلت من عملي في جامعة بريشتينا بعد أعوام من تفاقم الأوضاع في يوغسلافيا بعد رحيل الرئيس الأسبق جوزيف بروز تيتو في 1980 شملت تصاعد العداء بين الألبان والصرب وبين يوغسلافيا وألبانيا وأردت أن أرتاح سنة دراسية في المشرق قبل أن أنتقل للعمل في الأردن خلال العام الجامعي 1989 1990 في دمشق التقيت أستاذي العالم شاكر الفحام رئيس مجمع اللغة العربية ورئيس هيئة الموسوعة العربية الكبرى التي تأسست آنذاك الذي طلب مني أن أشارك فيها بما أراه مناسبا من منطقة البلقان كنت على تواصل مع الطبعة الألبانية لـموسوعة يوغسلافيا الجديدة التي توقفت لاحقا بسبب انهيار يوغسلافيا وكانت ألبانيا قد أصدرت لتوها المعجم الموسوعي الألباني ولذلك تواصلت مع الجهة العلمية الناشرة أكاديمية العلوم والفنون للاطلاع على هذه التجربة نظرا لأن المجلد الأول من الموسوعة العربية الكبرى كان يتضمن مادتين كبيرتين ألبانيا والألبانيون وسرعان ما تلقيت دعوة لزيارة ألبانيا لمدة أسبوعين لأجل الاطلاع على تجربة الأكاديمية في هذا المجال والتزود بما هو ضروري من مصادر لأجل ما أريد تقديمه لـالموسوعة العربية الكبرى كانت هذه خلفية لصدمتين كبيرتين في ما يتعلق بـ إسماعيل كاداريه كنت كغيري من الألبان في كوسوفو أتابع ما يكتبه إسماعيل كاداريه ضمن انعطاف النظام الحاكم في ألبانيا من الماركسية اللينينية الحقة إلى خلطة جديدة تجمع بين الماركسية اللينينية والقومية الألبانية منذ 1978 أي بعد انقطاع العلاقات السياسية مع الصين الماوية بسبب انحرافها وإلى تسويق ألبانيا باعتبارها الجنة أو القلعة الوحيدة للماركسية اللينينية التي أصبحت الآن بنكهة ألبانية كانت هذه الصورة تدفع الكثير من الشباب الألبان في كوسوفو تحت تأثير الدعاية القوية لـراديو تيرانا الذي كان يبث برامجه القوية من مدينة كوكس المجاورة ليوغسلافيا إلى المخاطرة وعبور الحدود إلى ألبانيا مع ما يتضمن ذلك من قنص واعتقال وسجن تمتع بعضوية مجلس الشعب حين كان كتاب بلاده يعتقلون وصلت إلى تيرانا في أيار مايو 1988 وسط مظاهر الترحيب التي تغري المرء في أن يعود ثانية فقد كان لدي برنامج لقاءات لكون الرئيس كان مريضا تبدأ مع أمين عام أكاديمية العلوم لوان عماري والمسؤول الأول في قسم الموسوعة التابع للأكاديمية الباحث جواد لوشي ورئيس اتحاد الكتاب والفنانين الألبانيين الروائي دريترو أغولي الذي كان رئيسا للاتحاد بين عامي 1972 و1992 وبرنامج مفتوح مع سيارة ومرافق كانت الإقامة في فندق دايتي المخصص للضيوف الأجانب الذي لم يكن متاحا للألبان العاديين بالدخول والتمتع بما فيه وبعد اليوم الأول الذي اقتصر على اللقاءات في الفندق ومحيطه أكاديمية العلوم واتحاد الكتاب شمل البرنامج زيارة إلى مدينة جيروكاسترا في جنوب ألبانيا مدينة إسماعيل كاداريه التي خلدها في إحدى رواياته وأنور خوجا الذي تحول البيت الذي ولد فيه إلى متحف كانت هذه الزيارة فرصة للخروج من قلعة دايتي ومن العاصمة الألبانية للتعرف إلى ما هو مغاير كانت الحواجز الأمنية على الطرق تدقق في شخصيات المسافرين هناك اكتشفت أن الألبان حتى ذلك الوقت لم تكن لديهم بعد بطاقات هوية وأن الألباني عندما يغادر قريته أو مدينته إلى قرية أو مدينة أخرى عليه أن يحصل على ترخيص من السلطة الحزبية أما جواز السفر فقد كان تعبيرا يسمع به الألبان فقط ولا يتمتع به سوى كبار المسؤولين وعدد محدود من الكتاب يعدون بأصابع اليد من بينهم إسماعيل كاداريه في اليوم الثالث كان هناك رجاء أن أزور أحد المصانع القريبة من العاصمة لألتقي عاملا ألبانيا يدعي أن أصوله تعود لأسرة كرامي اللبنانية ويطالب بالتواصل معها لأن التواصل مع الأجانب كان يرعب السلطات المحلية كانت زيارة المعمل ورؤية العامل البسيط الذي رأى أجنبيا لأول مرة في حياته فرصة لرؤية بؤس لا يوصف في دولة تحكم شعبها باسم العمال في ذلك اليوم تذكرت إسماعيل كاداريه الذي كان يسوق لنا ألبانيا أخرى غير موجودة على أرض الواقع أو يصمت عما هو موجود وعما يحدث لزملائه الكتاب من قمع جعل من ألبانيا نموذجا لـالغولاغ الذي كنا نسمع عنه في ذلك الوقت عرفت ما حل بالكاتبة محسنة كوكالاري 1917 1983 ابنة مدينة جيروكاسترا وأول كاتبة في الأدب الألباني الحديث فقد كانت أول ألبانية تنهي دراسة الأدب في جامعة روما وأول ألبانية تصدر عدة مجموعات قصصية خلال الفترة بين 1940 و1944 وأول ألبانية تشارك عام 1943 في تأسيس حزب اشتراكي ديمقراطي ولكن وصول الحزب الشيوعي للسلطة في نهاية 1944 واحتكاره للعمل السياسي جعل محسنة كوكالاري من أول ضحاياه حيث حكم عليها في بداية 1946 بالسجن عشرين عاما لكونها من أعداء الشعب وبعد 19 عاما من السجن نفيت إلى بلدة رشن النائية لتعمل هناك في كنس الشوارع إلى أن أصيبت بالسرطان ورحلت عام 1983 من دون أن تتلقى العلاج اللازم في الوقت الذي كان فيه كاداريه عضو مجلس الشعب ونائب رئيس الجبهة الديمقراطية الواجهة الشكلية للنظام الشمولي التي ترأستها نجمية خوجا زوجة الدكتاتور أنور خوجا في ما بعد عرفت أن ما كان يهم كاداريه أن يبقى حيا وحرا فيما يكتب وينشر ويسافر خارج ألبانيا بينما لم يعد الاعتبار إلى بنت مدينته محسنة كوكالاري إلا بعد سقوط النظام الشمولي حيث منحها الرئيس الألباني الجديد صالح بريشا وسام شهيدة الديمقراطية في 1993 ترجمته عن الأصل الألباني تكشف مستوى لغته الحقيقي في ذلك اليوم قررت أن أقطع زيارتي وأغادر ألبانيا وأن أكتب عن هذه الزيارة على عكس ما كان يرغبه السفير الألباني في القاهرة الذي مرر لي رسالة بأن نشر مقالة مناسبة عن زيارتي يضمن أن أتلقى دعوة لزيارة ألبانيا كل سنة وأن أتمتع هناك بقضاء أيام على البحر أيضا فقد قررت أن أكتب مقالة وأنا أعرف أنني لن أدعى ثانية بوجود مثل هذا النظام وهو ما تحقق في 1993 بعد سقوط النظام الشيوعي الذي سمح لي أن أتعرف إلى ألبانيا أخرى كانت مخفية وراء الكواليس كانت صدمة كبيرة أخرى في كانون الأول ديسمبر 1988 حين شهدت ألبانيا بعض الانفتاح في عهد الرئيس رامز عليا 1985 1992 الذي خلف أنور خوجا 1944 1985 جاء إلى دمشق الكاتب الروائي الألباني فاتمير جاتا 1922 1989 بدعوة من اتحاد الكتاب العرب كان الروائي جاتا من جيل الروائيين الأوائل في الأدب الألباني الحديث الذي مثل الواقعية الاشتراكية حسب المسطرة الجدانوفية حيث نشر أول رواية الانقلاب عام 1945 التي تسوق رواية الحزب الشيوعي عما حدث خلال حرب التحرير الشعبية التي قادت الحزب للسلطة المطلقة وروايته الثانية المستنقع عام 1959 وغيرها من الأعمال التي تتناول بناء الاشتراكية في ألبانيا في أحد اللقاءات معه خارج اتحاد الكتاب الذي جمعه ببعض الكتاب الألبان المترجم عبد اللطيف الأرناؤوط والشاعر بركات لطيف وأنا كان الروائي جاتا معنيا كثيرا بالتعرف إلى صدى ما نشر لإسماعيل كاداريه في العربية بعد نشر روايته جنرال الجيش الميت 1981 ومجموعته الشعرية حصان طروادة يلقى حتفه 1982 ورواية الحصن 1986 التي ترجمها عبد اللطيف الأرناؤوط وقد ذكرت له ما أعرف ولكن يبدو أن الروائي جاتا كان يتوقع أكثر من ذلك بالاستناد إلى ما كان يكتب عن كاداريه في ألبانيا وبعد انسحاب الروائي جاتا مع المترجم عبد اللطيف الأرناؤوط لإيصاله إلى الفندق انتهز الشاعر بركات لطيف الفرصة لكي يعيد طرح الموضوع من وجهة نظره الخاصة فقد ذكر الشاعر لطيف بصراحة في غياب الضيف أنه قد قرأ الكثير عن كاداريه في أوروبا إلا أنه لا يصدق ما يكتبه كاداريه في العربية وبعبارة أخرى فقد قال الشاعر لطيف إن كاداريه يبدو له كالمنفلوطي في اللغة العربية وأنه لا يستطيع أن يصدق أن كاتبا عظيما ككاداريه يكتب كالمنفلوطي وقد استشهد في هذا السياق بالقصيدة المعروفة لكاداريه حصان طروادة ثم تمنى علي أن أقرأ القصيدة في الأصل وأن أترجمها من جديد لكي يقطع الشك باليقين وبعد أن وعدته عدت إلى قراءة القصيدة بالألبانية التي شكلت لي صدمة أخرى لأنه تبين لي أن القصيدة تحتاج فعلا إلى إعادة ترجمة وأنا أعرف ثمن ذلك وكانت الصدمة أكبر حين قرأت ترجمة القصيدة الملحمية المعروفة لكاداريه بم تفكر هذه الجبال ثم رواية الحصن التي كتبت عنها ورقة للمشاركة في ندوة دولية للترجمة بعنوان الترجمة من الأصل ليست الأفضل كاتب وأكاديمي كوسوفي سوري

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح