إرث الزنداني والترابي عودة التكفير والتضليل

كتب/ هاني مسهور
في لحظةٍ باتت فيها الدول العربية أكثر يقينًا بأن مستقبلها مرهون بقدرتها على تجديد الخطاب الديني، تصعد فجأة أصوات تدعو، بلا خجل ـ لإحياء إرث عبدالمجيد الزنداني، وكأن هذا الإرث لم يكن أصل الخراب، ولا الشرارة الأولى التي حوّلت الدين لوقود حروب لا تنتهي.
إن الدعوة لإحياء هذا الإرث اليوم ليست مجرد رأي في سياق مضطرب، بل انتكاسة فكرية وأخلاقية تعيد المنطقة إلى زمن الفتاوى التي تصنع الموت، وإلى مرحلة الكهنوت السياسي الذي يخلط بين النص الإلهي وشهوة السلطة، وإلى خطاب يقف في الضفة المقابلة تمامًا لأي مشروع إصلاحي جاد يضع الإنسان قبل الجماعة، والعقل قبل العاطفة، والدولة قبل التنظيم.
المفارقة أن هذه الدعوات تظهر في اللحظة نفسها التي بدأت فيها الدول العربية، من دولة الإمارات والسعودية إلى مصر والمغرب، صياغة نموذج جديد للدين قائم على الروح المدنية، وعلى تحرير المجال الديني من قبضة تجار الفتاوى الذين جعلوا من النصوص مطايا للمشاريع السياسية.
وبينما يتقدم هذا المسار في اتجاه عقلنة الخطاب الديني وتحريره من ثقافة الموت، يخرج من يريد إعادة تدوير الأسماء التي صنعت صدام المنطقة مع نفسها، وكأنهم يطلبون من المجتمع أن يعود إلى المقابر الفكرية ذاتها التي خرجت منها كل موجات التطرف.
وإذا كان الزنداني جزءًا من هذا الإرث، فإن حسن الترابي يقف في الجهة الأخرى من المأساة ذاتها. كلاهما ليس مجرد شخصية دينية جدلية، بل ظاهرة سياسية شكّلت قلب أزمة الإسلام السياسي طوال أربعين عامًا، كلاهما استخدم الدين بوصفه منصة للهيمنة، والفتوى بوصفها سلاحًا، والجماعة وسيلة للسيطرة، كلاهما حوّل النص الديني إلى خطاب تعبوي يدفع الشباب إلى الجبهات بينما يبقى هو في المناطق الآمنة، بعيدًا عن رائحة الدم الذي يحرّض عليه.
لم يكن حسن الترابي يومًا مفكرًا إصلاحيًا، بل كان مهندسًا بارعًا لتحويل الدين إلى مشروع حرب، في زمن تحالفه مع عمر البشير، قاد الترابي واحدة من أضخم عمليات التحريض الديني في تاريخ السودان الحديث، ودفع بمئات الآلاف من الشباب إلى محرقة جنوب السودان،
ارسال الخبر الى: