إدغار موران وفلسفة الغموض

21 مشاهدة

لا يكتفي إدغار موران بتوضيح العلاقة الأزليّة بين المعرفة والجهل، بل يكشف أهمّيتها في سياق العصر الحديث ضمن عالم يشهد انفجاراً معرفياً بفضل التقدّم العلمي والتقني غير المسبوق، وفي الوقت عينه، يعرف أزمات وتعقيدات عالمية تجعلنا ندرك محدودية فهمنا، ما يصنع مفارقة جديرة بالانتباه.

يقدّم عالم الاجتماع الفرنسي في كتابه المعرفة، الجهل، الغموض (دار الرافدين، 2025/ ترجمة: لطفي السيد منصور)، إطاراً فكرياً للتعامل مع هذه المفارقة، فبدل الانجرار إلى وهم اليقين الذي ربما تقدّمه التقنيات الحديثة، أو اليأس من إمكانية الفهم وسط الأزمات، مثل الأوبئة أو تغير المناخ أو غيرها، يدعو المؤلّف إلى تبنّي عقلية تُدرك أنّ كل معرفة جديدة ستفتح أبواباً لأسئلة أصعب تقودنا إلى مواصلة البحث بتواضع بعيداً عن الغرور العلمي.

الجهل ليس عدواً

لا يعترف المؤلّف بالمفاهيم الشعبية السّائدة عن الجهل والغموض عبر العصور، إذ لا يرى فيهما نقيضين للمعرفة بل جزءاً منها، وينطلق في أطروحته هذه من أنّ المعرفة تطوّرت وتوسّعت بشكل كبير اليوم، بحيث لا تمكن الإحاطة بها إلا جزئياً، وإذ تُعد المعرفة البناء الإنساني المستمر للفهم، فإن هذا البناء يعتمد على الجهل، الذي يتحوّل من مجرد نقص يجب القضاء عليه إلى قوّة تغذي السّعي المعرفي. أما الغموض، فيُشكّل المجهول الذي يحيط بالعلاقة بين المعرفة والجهل.

وانطلاقاً من هذه الرُّؤية، تشكل مفارقةُ التقدّم الموضوعَ الأبرز في الكتاب، إذ يتبنّى موران المقولة الكلاسيكية المنسوبة إلى فريدريش شليغل من تزداد معرفته يزداد جهله، ويؤكد أنها ليست مجرد تأمل شاعري، بل حقيقة ثابتة وحاضرة في العلوم الحديثة.

يرى موران أن التقدم المتسارع للعلوم، خاصة علوم الكون والفيزياء، يجسد هذه المقولة على أكمل وجه، فكل تقدم في العلوم ينتهي بالضرورة إلى اكتشاف جهل جديد. هذا الجهل الناتج عن التوسع المعرفي ليس فشلاً، بل هو مؤشر إلى أن العالِمَ أو الباحث لمس إحدى القضايا الجوهرية في نظرية المعرفة، وهي قضية مستمدة من إرث هيراقليطس الفكري، وتشير إلى أن المعرفة التي لا تُنتج جهلاً جديداً هي معرفة ثابتة لا تثير أسئلة

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح