عن أهمية الجانب الروحي للإنسان

٣٥ مشاهدة
في زمن تتسارع فيه الأحداث والتغيرات والثورات وتستعصي معها متابعة واستيعاب حقيقة ما يحدث تتملك الذات الحيرة والضبابية وتفتقد الرؤية ونحن اليوم في زمن تتوغل فيه الإمبريالية المفترسة بشراسة وعنف مخاطبة الغرائز ومستهدفة تهييج الشهوات وفرض سطوة الاستهلاك مجهزة على التصورات والمفاهيم والقيم في ظل مسار رهيب من التنميط يصادر الخصوصية الذاتية والثقافية وحرية الاختيار ويسترسل في عملية تفكيك الإنسان نحو تشكيل وعي جماعي يميل إلى التبعية والعبودية التلقائية ويفتقد الحد الأدنى من الممانعة والمقاومة وفي ظل هذا الوضع البئيس والعقيم تحتاج الذات إلى نقاط ارتكاز تعينها على الحفاظ على الثبات والثقة في النفس من أجل صون إنسانيتها والاستمرار في رحلة الحياة بكرامة وتوازن ربما يتحقق ذلك عبر الاستثمار في الجانب الروحي للذات والاهتمام المستمر بعناصره وتغذيته بما يمكنه من أداء دوره بفعالية ونجاعة حقيقة تحتاج الروح إلى التغذية مثلما يحتاج النهر للمطر فالجفاف يهدد الاثنين ويلاحقهما ويجتث خيراتهما من المنبع يجف النهر ويتوقف معه تدفق المياه بما تحمل من حسنات ونعم الإسقاط نفسه يقع على الروح التي تجف وتستوطنها السنوات العجاف والقحط فتتوقف عن العطاء وتتخلى عن الذات فتطفو إلى الواجهة أعراض واضطرابات صعبة التناول والتدبير من قبيل التعاسة خيبة الأمل الشعور بالضياع الانكسار اللامبالاة اليأس عدم الإقبال على الحياة السلبية والحيرة يمكن التعامل مع الروح بما هي قوة خفية غيبية تجد تمثلها القوي والبين في منح الجسد الحياة والحركية والحيوية والدينامية وتقود الذات نحو رفع التحديات والكفاح في سبيل تحقيق الأهداف وبناء نمط عيش يتوافق مع القناعات الشخصية وينغمس في النهل من فضائل الأخلاق وممارسة قيم العيش الكريم إذا كان الجسد يخضع للمنطق البيولوجي الذي يحدد مراحل تطوره حسب تقدم سنوات العمر تظل الروح مترفعة عن كل المقاربات المؤسسة على الملاحظة والتتبع الحسي الملموس وتحظى بالسمو والرفعة والمقام العالي إذ عند الممات يرجع الجسد إلى مأتاه في التراب بينما ترتفع الروح إلى بارئها وتحظى بعناية الواجد الذي أوجدها ووحده يعلم سرها حققت حضارة القوي تقدما على جميع المستويات لكنها أخفقت في الجانب القيمي والأخلاقي والإنساني الصرف قد يرتقي الاهتمام بالجانب الروحي إلى مرتبة الجهاد لما تكتنفه العملية من معاناة ومكابدة وصمود وكد متواصل ومستدام ترجو تحقيق الاطمئنان والسلام الداخلي وتقوية الإيمان وضخ الحركية والحيوية في وعائه مجابهة الشك والريب البحث عن التفاؤل وإيجابية الرؤية الكبح المستمر للغرائز المادية تغذية القيم تمثل قيم الجمال تدبير وتبديد المخاوف على المنوال نفسه يستأثر الجانب الروحي بوظائف حيوية في العلاقات الدولية التي دون شك تحتاج إلى اليقظة الروحانية والتخليق باعتبار الاختلالات التي تكتنف العلاقات البينية بين الدول والتكتلات الجهوية نجد الشرعية في مشاركة القارئ السؤال التالي ألم تتوسع الحضارات في بعدها المادي بالحروب والقتل والاستحواذ بعيدا عن الاختزال نميل إلى القول إن الأمم القوية عبر التاريخ توسعت بالقوة والحروب من أجل إخضاع الدول الأخرى والاستفراد بخيراتها وفرض نمط عيشها استجابة لغرائز الطموح وحب السيطرة والتملك وفي ظلال نفس منطق سيطرة وسطوة القبيلة القوية على القبيلة الضعيفة في الماضي البعيد لكن بأساليب متطورة ومغايرة لذلك حققت حضارة القوي تقدما على جميع المستويات لكنها أخفقت في الجانب القيمي والأخلاقي والإنساني الصرف واختزلت ماهية الروابط مع الدول الأخرى في المنفعة المادية الصرفة هل كان الوضع سيؤول إلى نفس المخرجات إذا كان الجانب الروحي حاضرا بقوة في مدخلات تصورات التوسع الحضاري يمكن تغذية الجانب الروحي من الانخراط في عدة ممارسات تستوجب الاستدامة والعقلانية والتحفيز الذاتي المستمر نتحدث عن رحلة يومية تهدف إلى بناء رزمة من العادات الصحية والإيجابية نستهل الحديث عن البعض منها بالعبادات التي تجد الحكمة من الإقبال عليها في مواجهة الجانب المظلم من الذات من نواقص وأهواء ونزعات وغرائز بدائية ومحاولة تدبير الصراعات الداخلية بإيجابية وفعالية نمر بعد ذلك إلى مدرسة غار حراء حيث يسمو التدبر في ملكوت الصمت بعيدا عن الضوضاء وبحثا عن مساءلة ومراجعة الذات وفهم أفضل لعناصر المحيط الخارجي وفي غمار النسق نفسه يقدم الأدب ما يغري من المواد الإبداعية حيث تتغذى الروح وتنغمس في ملكوت الإلهام والحكم وطاقة الدفع التحفيزية وفضيلة البحث المستمر عن المعرفة والعمق وربما تتعاطى مع الكتابة من أجل التداوي ومصارحة الذات ومخاطبة مخاوفها ونواقصها نختم بضرورة بناء عادات ممارسة الامتنان والتسامح والترفع عن دنايا الأمور وإنفاق الوقت والجهد بفعالية وتأن يظل الجانب الروحي النواة الصلبة في خلايا تجارب النمو والتطور مترفعا عن المساومة والإهمال والتبخيس متعطشا إلى التغذية والارتواء دون انقطاع من أجل ضمان حضور قوي ومستدام

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح