سبتمبر أنقذ الدولة وديسمبر أسقط آخر رهانات العدوان
لم تكن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر بدايةَ صراع جديد بقدر ما كانت نهايةَ مرحلة كاملة من الفوضى والانقسام والارتهان.. لقد وصلت اليمن إلى نقطة لم يعد فيها الوطن قادرًا على احتمال مزيد من العبث، وتصدعت مؤسّسات الدولة حتى انكشفت تمامًا أمام أعين المواطنين، وتحولت العاصمة صنعاء إلى مدينة تبحث عمن يحميها بعدما فقدت السلطة القدرة على حماية نفسها.
كانت الوزاراتُ تشتعل بالنزاعات وتحترق كأنَّها منشآت بلا صاحب، وكانت الشوارع تتحوّل إلى متاريس تصطفُّ فيها القوى المتصارعة، بينما ينتقل السلاح بين الأحياء ويقف المواطنون في المنتصف، لا يعرفون من يحكم ومن يقرّر، ولا من يدافع عن مَن!
كانت المدينة تتهاوى بينما القوى السياسية منشغلة بحساباتها وبناء اصطفافاتها وتوسيع نفوذها على حساب وجود الدولة نفسها.
وجاءت الضربات الأمنية الدامية كفصول إضافية تكشف عمق الانهيار؛ فالهجوم الذي ضرب العَرَضَ العسكري لقوات الأمن المركزي في ميدان السبعين كشف هشاشة المؤسّسة العسكرية، واقتحام مجمع العُرْضي من قبل العناصر التكفيرية أظهر عمق الفراغ في منظومة الحماية والأمن.
كما شهدت مساجد بَدْر والحشحوش ارتقاء المصلين شهداءَ في صلاة الجمعة، ليعرف الناس أن العاصمة التي كانت مركز القرار لم تعد تملك أي قرار، وأن الدولة التي وقفت على المسرح سنوات طويلة اكتشفت فجأة أنها مُجَـرّد واجهة بلا أَسَاس.
وزادت الحوادث الغامضة من الاضطراب؛ فقد تساقطت الطائرات العسكرية في قلب المدينة بطريقة جعلت اليمنيين يعيشون شعورًا بأن السماء نفسها لم تعد آمنة، وأن الجيش الذي كان رمزًا للسيادة أصبح هو الآخر جزءًا من المشهد المضطرب، لا قوة مستقلة تحمي الوطن.
وسط هذا الفراغ السياسي والأمني، تشكَّلت لحظة إدراك جماعي بأن اليمن يتجه نحو انهيار شامل، وأن الانتظار يعني ترك العاصمة تسقط في يد الفوضى، وأن مراكز النفوذ التي تدعي حماية الدولة هي التي تتقاسمها وتدفعها نحو الهاوية.
وهنا، جاءت ثورةُ الحادي والعشرين من سبتمبر كفعل تصحيح تاريخي فرضته معادلةُ الفراغ، لا معادلة القوة؛ إذ وجدت قوةٌ جديدةٌ نفسَها مضطرَّةً للدخول إلى قلب المشهد لإيقاف الانهيار قبل أن يتحوَّلَ
ارسال الخبر الى: