أنشودة المطر لبدر شاكر السياب معلقة معاصرة
يمكننا أن نسمي أنشودة المطر قصيدة بدر شاكر السياب، معلّقة، من دون أن ننسى أن هذه التسمية تردّنا إلى أوائل الشعر العربي، إلى المطولات الشعرية العصماء في الشعر الجاهلي. داعينا إلى ذلك هو أن أنشودة المطر، مثلها مثل المعلّقات، لا تقف عند موضوع واحد، ولا حالة واحدة، ولا مجرد لحظة أو ميقات، بل هي سفرٌ شعري كامل، في الحياة وفي الوقت وفي الموضوع وفي الجوّ وفي الخيال وفي الحكاية. تبدأ أنشودة المطر بـعيناك غابتا نخيل ساعة السحر/ أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر.
بداية هنا مخاطبة لامرأة تردّنا إلى ما يشبه الاستهلال بالغزل في القصيدة الجاهلية، لكن المرأة التي تبدأ القصيدة من عينيها، لا تبقى عندهما، بل هما، وقد اتصلا فوراً بالغابة والنخيل، وبعدهما الشرفة والقمر، تتحوّلان إلى وقفة عند مكان، هو أيضاً في لحظة أفول. الغزل هنا لا يكتمل، بل هو يمازج لحظة على وشك الانحسار والغياب، إنها في البيتَين السالفين في آونة فراق، أو هَمٍّ بفراق. لنا عند ذلك أن نتذكر تلك البدايات الشهيرة في العصماوات الجاهلية، البدايات التي هي أيضاً البكاء على الأطلال. المكان السياسي ليس طللاً بالطبع، لكنه أيضاً مصوغ في عبارة تجمع بين المكان والوقت.
عنوانٌ تنهمر منه القصيدة لكنه أيضاً الأفق والغرض والمجال
إن للسَّحَر ساعته وللقمر غيابه. لسنا هنا إلا أمام استحضار حديث، لما يشبه الروح السالفة. لن نتكلّم بالطبع عن طللية راهنة، لكننا ونحن نتابع القصيدة، نقع على لحظة أُخرى، إنها للرقص وترقص الأضواء، كالأقمار في نهار، لحظة ليست آفلة، أما ساعة السَّحَر فهي هذه المرة قريبة من الرقص يرجّه المجداف وهناً ساعة السحر، والعينان اللتان بدأ بهما القصيدة تنبض في غوريهما النجوم، وسيكون لهما أن تغرقا مع ذلك في أسى شفيف. نحن بالطبع لم نعد في مناخ البيتين الأوّلين، لكننا مع ذلك لا نبتعد بالكامل عن المعلّقة الجاهلية، تلك التي لم تكن لتقف عند البكاء الأول، لم تكن لتبقى في اللحظة نفسها. إنها قصيدة شاملة، قصيدة تُزاوج بين مفترقات
ارسال الخبر الى: