أمادو الفادني وأساطير مملكة كوش
يشتغل الفنان السوداني أمادو الفادني على مساحة وسطى بين الأسطورة والتاريخ، بين ما وصل إلينا مكتوباً وما بقي عالقاً في الحكايات الشفوية، وفي العلامات والرموز التي انتقلت عبر الأجيال من دون أسماء. هذا الاشتباك بين المعلن والمطمور ينعكس مباشرة في لغة الأعمال وطبيعتها في معرضه كوش المقام في غاليري كايرو بالقاهرة حتى الأول من يناير/ كانون الثاني المقبل، الذي يضم مجموعة من اللوحات المنفذة بالأكريليك على القماش، ويستدعي إرث مملكة كوش النوبية، إحدى أقدم الحضارات الأفريقية، لا بوصفها موضوعاً توثيقياً، بل باعتبارها منظومة رمزية وثقافية ما زالت آثارها كامنة في الوعي واللاوعي معاً.
تطالعنا في المعرض أجساد سوداء مسطّحة، غالباً بلا ملامح واضحة، تتحرك داخل فضاءات لونية مفتوحة، تتجاور فيها درجات الأزرق مع الوردي والأصفر والأخضر، في بناء بصري لا يسعى إلى الإيهام بالعمق بقدر ما يرسّخ الإحساس بالطقس والاستدعاء.
في عمله المعنون امرأة كوشية مثلاً، يحتل الجسد الأنثوي مركز اللوحة، جالساً في وضع أقرب إلى التأمل أو الترقّب. الجسد في هذه اللوحة داكن، شبه ظلي، تحيط به عناصر متفرقة، فثمة طائر طويل المنقار، وإشارات كتابية أقرب إلى التعاويذ، وأشكال هندسية، وتماثيل جانبية تستحضر أيقونات فرعونية وكوشية في آن. لا تبدو هذه العناصر شارحة أو تفسيرية، بل تعمل مثل طبقات دلالية، تفتح اللوحة على أكثر من مسار قراءة، حيث تتحول المرأة إلى وسيط بين العوالم، لا إلى موضوع للرؤية فقط.
تعتمد الأعمال على اقتصاد في التفاصيل مقابل كثافة رمزية عالية
الأنوثة، بوصفها رمزاً للحماية والخصوبة والمعرفة، تحضر بقوة في المعرض، ليس فقط عبر الأجساد، بل من خلال استدعاء الآلهة والرموز المقدسة المرتبطة بمملكة كوش. في لوحة أخرى مثل إلهة الصحراء تظهر الكتلة الحيوانية الأنثوية في هيئة هجينة، تجمع بين الإنسان والحيوان، في إحالة واضحة إلى الأساطير القديمة التي لم تفصل بين المقدس والطبيعي. هنا، لا يسعى الفنان إلى إعادة بناء الأسطورة، بل إلى استحضار مناخها، وترك أثرها يعمل داخل اللوحة.
في المقابل، تحمل أعمال مثل حرب ورحلة بعداً
ارسال الخبر الى: