مع بقاء أيام معدودة على انتهاء عام الرئاسة الروسية لمجموعة بريكس تبدو القمة الموسعة للمجموعة التي احتضنتها مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان في أكتوبر تشرين الأول الماضي أعلى نقطة لسياسة موسكو الخارجية منذ بدء حربها المفتوحة في أوكرانيا قبل قرابة ثلاث سنوات وسط توافد قادة أكثر من 20 بلدا وممثلين عن المنظمات الدولية بمن فيهم أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ومع ذلك غاب عن القمة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتصبح المملكة هي البلد العضو الجديد الوحيد في بريكس الذي لم يكن ممثلا بزعيمه في القمة وذلك على عكس مصر والإمارات وإيران وإثيوبيا التي لم يتردد قادتها في التوجه إلى قازان السعودية تعلق عضويتها وبحلول نهاية السنة تبين أن السعودية علقت عملية الانضمام إلى المجموعة بحجة عدم إكمال الإجراءات الداخلية اللازمة وفق ما كشف عنه معاون الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية يوري أوشاكوف مطلع الأسبوع الجاري واللافت أن الإعلان عن تعليق السعودية إجراءات تفعيل عضويتها في بريكس جاء بعد أسابيع عدة على تلويح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية تصل نسبتها إلى 100 على دول المجموعة في حال سعت لإطلاق عملة بديلة للدولار مما يفتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات حول دوافع السعودية للنأي بنفسها عن بريكس قبيل تنصيب ترامب ويشير السفير الروسي الأسبق لدى السعودية نائب رئيس اتحاد الدبلوماسيين الروس والأستاذ بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو حاليا أندريه باكلانوف إلى أن عزوف الرياض عن إكمال الإجراءات الرسمية للانضمام إلى بريكس لم يمنعها من المشاركة في العديد من فعاليات المجموعة تحت الرئاسة الروسية معتبرا في الوقت نفسه أن التأني السعودي لا يخلو من دوافع تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة التي شهدت تراجعا تحت إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن ويقول باكلانوف الذي عمل سفيرا روسيا في الرياض في أعوام 2000 2005 في حديث لـالعربي الجديد شاركت السعودية في عدد من فعاليات مجموعة بريكس تحت الرئاسة الروسية بما فيها قمة قازان التي كانت متمثلة فيها بوزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان وليست هناك أي بوادر لخلافات روسية سعودية تقف وراء تأنيها في تفعيل العضوية الكاملة في بريكس ومع ذلك يقر بأن حرص الرياض على الحفاظ على تحالفها مع الولايات المتحدة ساهم في ترددها مضيفا تدهورت العلاقات السعودية الأميركية في عهد بايدن لكنها قد تتحسن مرة أخرى بعد عودة ترامب وربما تستبق السعودية تنصيبه بإصدار رسائل تؤكد من خلالها إعلاء التحالف مع واشنطن يضاف إلى ذلك أن السعودية تاريخيا لم تنوع استثماراتها الخارجية مركزة إياها في حيازة سندات الخزانة الأميركية بقيمة وصلت إلى نحو 140 مليار دولار مما يضطرها لإبداء حساسية بالغة تجاه مواقف واشنطن ويلفت إلى أن الإمارات التي تبدي جرأة أكبر في تعزيز شراكتها مع بريكس وروسيا نفسها مقارنة مع السعودية عملت في السنوات الأخيرة جاهدة على تنويع اقتصادها ووجهات استثماراتها الخارجية مما ساعدها في الحد من الاعتماد على الولايات المتحدة وفي وقت لا يتخطى حجم التبادل التجاري بين روسيا والسعودية بضعة مليارات دولار سنويا يقلل باكلانوف من أهمية المزاعم بأن هذا الأمر يدل على تدني مستوى العلاقات الاقتصادية قائلا يهيمن النفط ومشتقاته على هيكلي صادرات روسيا والسعودية مما يغنيهما عن الحاجة إلى إنماء التجارة بينهما بصورة كبيرة المحور الرئيسي للشراكة بين موسكو والرياض حاليا هو التنسيق في إطار آلية أوبك لضمان استقرار أسعار النفط بالسوق العالمية التعاون مع واشنطن أولا بدوره يرى الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية والأستاذ في الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب كامران غسانوف هو الآخر أن التأني السعودي في تفعيل عضويتها في بريكس ينطلق بالدرجة الأولى من دوافع الحفاظ على مزايا التعاون مع الولايات المتحدة وفي مقدمتها مشروع إبرام معاهدة دفاعية بين الرياض وواشنطن ويقول غسانوف الذي يحمل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية في حديث لـالعربي الجديد أعتقد أن السعودية قررت في الأساس أن تغازل بريكس لإظهار استقلاليتها عن الولايات المتحدة التي بدأت في عهد بايدن بالضغط عليها بقضايا حقوق الإنسان والتدخل العسكري في اليمن ناهيك بالاستياء الأميركي من ضبابية موقف الرياض من الملف الأوكراني وعزوفها عن إدانة موسكو إدانة صريحة وتفاقمت حالة الفتور بين بايدن وبن سلمان بعد بدء النزاع في قطاع غزة في أكتوبر تشرين الأول 2023 ويلفت إلى أن هذه ليست أول مرة تصدر فيها السعودية رسائل إلى واشنطن عبر إظهار التقارب مع موسكو مذكرا بأن الرياض اتفقت في نهاية عام 2017 على شراء منظومات صواريخ إس 400 الروسية للدفاع الجوي دون أن يتم إحراز تقدم في إبرام الصفقة على أرض الواقع حتى الآن دوافع الرياض وحول دوافع السعودية للعدول عن تفعيل عضويتها في بريكس هذه المرة يضيف الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية لا تريد الرياض التخلي عن مزايا التعاون مع الولايات المتحدة لاسيما مشروع المعاهدة الدفاعية وإمكانية الحصول على مزيد من التكنولوجيا العسكرية والضمانات الأمنية الأميركية وهي مكاسب تراها السعودية أهم من العضوية في بريكس وتشير تقارير إعلامية إلى أن مسودة المعاهدة الجارية حاليا التي تجري مناقشتها بين السعودية والولايات المتحدة تنص على منح واشنطن إمكانية استخدام الأراضي السعودية والمجال الجوي للمملكة من أجل حماية المصالح الأميركية وشركائها في المنطقة مقابل التزام الولايات المتحدة بالمساعدة في الدفاع عن السعودية في حالة تعرضها لهجوم ومجموعة بريكس تم تأسيسها في عام 2006 وضمت أربعة اقتصادات عالمية صاعدة وهي البرازيل وروسيا والهند والصين قبل انضمام جنوب أفريقيا إلى المجموعة في عام 2011 باعتبارها أول دولة تمثل القارة الأفريقية بالمجموعة وفي أغسطس آب 2023 وجهت الدعوة للانضمام للمجموعة إلى ست دول بما فيها الأرجنتين التي قابلتها بالرفض في نهاية الأمر في المقابل انضمت الدول الخمس الأخرى مصر وإيران والإمارات وإثيوبيا وجزئيا السعودية إلى بريكس تحت رئاسة روسيا اعتبارا من 1 يناير كانون الثاني 2024 والتي ستسلم رايتها للبرازيل في عام 2025 وفي عام 2014 أنشئ البنك الجديد للتنمية بموجب الاتفاقية الحكومية الموقعة في القمة السادسة لـبريكس بهدف تمويل المشاريع في مجال البنية التحتية والتنمية المستديمة في الدول الأعضاء وغيرها من البلدان النامية